يقول المؤرخ عبد الرحمن الكواكبي في “طبائع الاستبداد: “وأشدّ مراتب الاستبداد التي يُتعوَّذ بها من الشّيطان هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية”.. هكذا أصبح حال قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بالتزامن مع فتح باب الترشيح لمسرحية الانتخابات الرئاسية الهزلية، التي ترشح لها هو وفي منافسته زميله في المؤسسة العسكرية سامي عنان، بعد أن استشعر السيسي الرعب من احتدام المنافسة، فقام باعتقال عنان والعاملين في حملته الانتخابية، ليدلس على المصرين بأنه الرجل الأوحد والأول والآخر، وأنه لا سبيل أمامهم سوى الرضا بالقبول في حكمه وأمره الواقع على رؤوسهم.
هل يكتب السيسي نهايته؟
بتفق عدد من المتابعين والمحللين السياسيين على أن صد السيسي للباب في وجه المصريين أمام أي تغيير، هو نهاية حتمية للسيسي نفسه، مؤكدين أن ما أقدم حاكم على ما فعله السيسي إلا وكانت نهايته محتومة.
ويقول الدكتور أيمن نور، رئيس قناة الشرق وزعيم حزب “غد الثورة”، إن رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي لا يعرف مطلقا أي معنى لأي انتخابات، وأن الذي أتى فوق دبابة لن يرحل بصندوق انتخابات.
وقال نور، في تصريحات صحفية، إنه عندما يحدث هذا في ذكرى ثورة يناير، علينا جميعا أن نذكر بعين الاعتبار أن إغلاق أبواب التغيير الديمقراطي السلمي يفتح أبواب التغيير الثوري على مصراعيها، وهذا هو ما حدث في انتخابات الرئاسة عام 2005 وفي الانتخابات البرلمانية التالية لها”.
واستطرد زعيم حزب غد الثورة: “حتما سيرحل السيسي، لأنه لا يستحق أن يبقى، وأستشعر أن نهايته تقترب أكثر فأكثر، وأرى أنه يدفع في اتجاه واحد، وهو أن يرحل بذات الطريقة التي رحل بها غير المأسوف عليه الرئيس المخلوع حسني مبارك”، داعيا كل من وصفهم بالمخلصين والوطنيين والشرفاء في مصر إلى “سرعة التحرك لإنقاذ الوطن من الخطر الداهم الذي حتما سيدخل فيه بسبب سياسات السيسي الحمقاء”.
وأضاف نور: “استبعاد شفيق بعد اختطافه، واعتقال أحمد قنصوة، وتلفيق قضية لخالد علي، وإحالة عنان للتحقيق بتهمة التزوير في محررات رسمية، كل هذا يؤكد لي أنه ما أشبه اليوم بالبارحة؛ فعندما نافست حسني مبارك فعل نفس هذه الممارسات معي عندما اتهمني بتزوير التوكيلات وهو ذات الأمر الذي يحدث مع عنان الذي هو ابن النظام وخرج من رحم ذات المؤسسة العسكرية”.

مسرحية يقاطعها الشعب
ومع الضغط على المرشح خالد علي للانسحاب من مسرحية انتخابات السيسي، خلت الساحة تمام من أي منافسة في انتخابات ربما يعرف السيسي أنه لا بديل عن خوضها وحده.
و أدانت 5 منظمات حقوقية القبض على المرشح المحتمل لما يسمى الانتخابات الرئاسية، الفريق سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق، وإخفاءه، وذلك على خلفية إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية الأسبوع الماضي.
وأكدوا أنه “بتلك الخطوة أكد السيسي التوقعات والاستنتاجات التي سبق أن حذرت منها المنظمات الحقوقية، في 20 ديسمبر الماضي، في بيان لها، بأن الانتخابات المقبلة هي مجرد استفتاء على تجديد البيعة للرئيس الحالي”.
وطالبوا المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية بعدم المشاركة في تلك “الانتخابات، المفتقرة للحد الأدنى من المعايير والضمانات، وعدم إرسال بعثات للمراقبة تستخدمها الحكومة المصرية؛ لإضفاء شرعية على إجراء صوري، حتى في نظر الرئيس نفسه”.
وعبّرت المنظمات الموقعة عن أملها في “أن يتم تدارك الوضع قبل أن يؤدي ذلك لمضاعفة اليأس من حدوث تداول سلمي للسلطة، ويشكل دعما هائلا لدوافع العنف السياسي والإرهاب، وركائز عدم الاستقرار السياسي في مصر”.
وكان “السادات” قد أوضح في بيانات سابقة أنه يواجه تعنتا من أجهزة الدولة، يحول دون قدرته على مجرد حجز قاعة في فندق لعقد مؤتمر صحفي لإعلان موقفه من الانتخابات، وأن أعضاء حملته تعرضوا لتهديدات واضحة.
وفي السياق نفسه، تراجع الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء الأسبق، عن قرار ترشحه للانتخابات، بعدما تم ترحيله من دولة الإمارات رغما عنه، ووضعه رهن الإقامة الجبرية لفترة، إلى أن أجبر على التراجع عن قراراه بالترشح.
وبالمثل، قضت محكمة عسكرية بسجن العقيد مهندس بالقوات المسلحة، أحمد قنصوة، لمدة 6 سنوات، بعد إفصاحه عن نيته الترشح.
وأعلن الحقوقي خالد علي، الأربعاء، أنه لن يستمر في مسعاه للترشح، قائلا -في مؤتمر صحفي بمقر حملته في وسط القاهرة، مساء اليوم-: “اليوم نعلن أننا لن نخوض هذا السباق الانتخابي، ولن نتقدم بأوراق ترشحنا”.
السيسي يستعدي الجميع
وقال رئيس الدائرة المصرية بمركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية، إسلام الغمري، إن ما قام به السيسي ضد الفريق عنان عبر بيان نسب للقيادة العامة للقوات المسلحة، وهو المنصب الذي يرأسه السيسي نفسه، فإنما يشير إلى أن السيسي تحرك منفردا دون الترتيب مع المجلس العسكري وقيادات الجيش، مما يجعل ما قام به السيسي بمثابة انقلاب ناعم، ولكن يخشى من تطور الأوضاع ليتحول نحو الخشونة”.
وأضاف في تصريحات صحفية، “لذا ترددت المعلومات عن نزول قوات عسكرية لأحياء بالقاهرة منذ مساء الثلاثاء، وكذلك تفتيش منزل الفريق عنان، واختطافه إلى مكان مجهول، ما ينذر بصدام عقب رفض السيسي كل السبل للتغيير السلمي والانتقال الآمن للسلطة”.
ورأى أن “التعميم المرسل لأذرع النظام الإعلامية يؤكد بما لا يدع الشك بأن السيسي أصبح معزولا أكثر من أي وقت مضى، وأن هناك انقلابا سيطيح به في القريب العاجل أو ثورة شعبية عارمة، وذلك بعد أن أصبح توجهه الصهيوني واضحا كالشمس مما جعل ما يشبه إجماعا وطنيا يسعى لإزاحته ومن ثم محاكمته على جرائمه”.
فيما أكد المتحدث الرسمي لحركة جامعات مستقلة، أحمد عبدالباسط، أن “هذا التعميم أو المنشور يتفق مع تخوف نظام السيسي من أي رد فعل يخرج عن السيطرة بعد إزاحة عنان من المنافسة، لذا شدد على ضرورة عدم إذاعة أو نقل أي بيان عسكري، وهو ما يعني أن هناك تخوفات حقيقية من تحرك قطاع ما في الجيش (يدعم عنان) لا يعلم السيسي نفسه مصدره، وهو ما يؤكده أيضا قرار النائب العام بمنع النشر في قضية عنان عقب اتهامه بالتزوير”.
لافتا إلى أن “هناك تخوفا كبيرا من داخل المؤسسة العسكرية من حدوث رد فعل بعد الغدر بعنان، الذي يحظى بقبول وثقل في الجيش، فهناك لواءات في الجيش كانت لا تعرف السيسي المغمور لسنوات طويلة حتى ظهر فجأة على الساحة السياسية في أعقاب تعيينه وزيرا للدفاع”.
وأضاف أن “ما يعزز خوف السيسي وعدم ثقته في كل قيادات الجيش، إقالته لمدير المخابرات العامة، أحد أهم وأخطر الأجهزة الأمنية في مصر، بعد مؤسسة الرئاسة نفسها، حيث إنه جهاز مستقل”.