بسبب تجاهل الانقلاب للسياسات الاجتماعية..الضغوط المعيشية تواصل حصار المصريين في 2019

- ‎فيتقارير

قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي جعل عام 2018 من أصعب الأعوام التي عاشها المصريون، حتى إن هذا العام أصبح كابوسا يجثم على صدر المصريين في حلهم وترحالهم، نتيجة ارتفاع الأسعار، ورفع الدعم عن الغلابة، وزيادة الوقود والكهرباء والمواصلات والمياه بنسبة 200%، فضلا عن زيادة سعر السلع الغذائية والدواء.

وكشفت تقارير اقتصادية أنه رغم ما شهده 2018 من رفع للأسعار، إلا أنه كان يمثل مع العامين السابقين اللذين طُبقت فيهما إجراءات صندوق النقد، سببا مباشرا قاد التضخم لأعلى مستوياته منذ الثمانينات.

ولم يخل يوم واحد من عام 2018 من أنين المصريين الذين تأثروا بغلاء المعيشة رغم ترشيد نفقاتهم الاستهلاكية، وآخرون طرحتهم أرضًا وسقطوا تحت خط الفقر.

وقال موقع “مدى مصر” عن المشروعات الضخمة التي أنفق عليها السيسي ثروات المصريين على غرار العاصمة الإدارية الجديدة إنها لم تجد نفعا في وجود أي أثر حسن على المصريين، متسائلا: “هل سيكون هناك أي منافع من هذه المشروعات أم أننا نخلق فقاعة عقارية قد تتسبب في أزمة مالية في وقت لاحق؟ لماذا لا نشعر بثمار النمو الاقتصادي وفائض الموازنة العامة اللذان تتحدث عنهما الحكومة؟ ولماذا تشعر الحكومة بأنها نجحت تحت وصاية الصندوق في الوقت الذي اقتربت فيه ديوننا الخارجية من 100 مليار دولار؟.

الجنيه والدولار

ونقل التقرير عن الخبير الاقتصادي أحمد شمس الدين، قلقه بشأن العملة المحلية، فهو يرى أن الجنيه ليس مُقبلًا على تعويم قوي كالذي شهده في نوفمبر 2016، عندما فقد أكثر من نصف قيمته أمام الدولار، لكنه في الوقت ذاته لا يعتبر أن احتياطيات مصر الضخمة من النقد الأجنبي تعكس صورة مشرقة للمستقبل.

وتوقع أن يترك البنك المركزي الدولار يرتفع بوتيرة أقوى من تلك التي تم الاعتياد عليها بعد تعويم نوفمبر، لكن الزيادة المتوقعة لن تكون صادمة مثلما حدث في 2016، حيث يذهب البعض إلى أن الدولار قد يصل في العام الجديد إلى 19 جنيهًا، مقابل نحو 18 جنيهًا حاليًا.

وقال شمس إنه من الصعب التنبؤ بسياسات البنك المركزي، لكن المؤكد أن الوضع المالي في البلاد لا يشير إلى تراجع كبير في قيمة الجنيه لأن «فجوة التمويل الخارجي للفترة المقبلة، والتي عادة ما نقيسها بحساب التزامات الدين الخارجي على مصر، مضاف إليها العجز الجاري المتوقع، تقع في حدود 12 مليار دولار.

وبالنظر إلى أن احتياطيات النقد الأجنبي وصلت إلى 44.5 مليار دولار، أكد أن هذه الاحتياطيات الضخمة لا تكفي لتمويل النمو الاقتصادي المطلوب لتوفير فرص العمل الكافية لتشغيل العاطلين، كما يضيف شمس، الذي يقدر أن البلاد تحتاج لمعدل نمو سنوي في حدود 9%، لتوفير فرص عمل للداخلين الجدد للسوق، «الموارد الدولارية غير كافية لتمويل النشاط الاقتصادي حتى يصل الاقتصاد إلى معدلات مناسبة من النمو».

التمويل الأجنبي

وأكد شمس أن ما يقلل من المخاوف بشأن الاستناد إلى الديون الخارجية، أن نحو 40% منها ديون ميسرة من مؤسسات التمويل الدولية الفائدة عليها في حدود 1.5%، «أما الجزء الذي يثير القلق حقا فهو السندات الدولارية والتي تُسعر بأسعار السوق، وتتراوح قيمة الديون المستندة إلى هذه السندات ما بين 18 إلى 20 مليار دولار.

وأوضح أن الاعتماد على السوق الخارجي لتوفير مصادر التمويل الأجنبية لن يكون مأمونًا في الفترة المقبلة في ظل تصاعد أزمة الأسواق الناشئة، في الوقت الذي تعاني الأسواق الناشئة من أزمة ناتجة عن السياسات التي اتبعتها أمريكا بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، فقد اتجهت الولايات المتحدة للحفاظ على أسعار الفائدة عند مستويات متدنية بشدة للتشجيع على الاقتراض، ومن ثم تحفيز الاستثمار وحماية البلاد من مخاطر الركود التي كانت تلوح في الأفق.

في الوقت الذي لم ينكرمحمد معيط وزير المالية بحكومة الانقلاب أن «أرقامًا فلكية خرجت من مصر» في ظلها، في إشارة إلى تخلص المستثمرين الأجانب من استثماراتهم في أوراق الدين المصرية، لكن الاحتياطيات من النقد الأجنبي كانت تزيد بسبب «قوة برنامج الإصلاح الاقتصادي»، حسب وزير المالية.

وعزا شمس ارتفاع الاحتياطيات من النقد الأجنبي رغم تأثير أزمة الأسواق الناشئة على مصر إلى اعتماد البنك المركزي بقوة على الرصيد الدولاري الموجود لدى البنوك التجارية، لتغطية خروج الأجانب في الفترة الماضية.

وحذر من أن هناك العديد من المؤشرات ترشح تلك الأزمة العالمية للتصاعد في الفترة المقبلة، لذا فهو يرى أن تحسين قدرات مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بات أمرًا مُلحًا.

سياسات عاجزة

وقال وائل جمال، الصحفي والباحث الاقتصادي، إنه رغم أن السنة المالية 2017–2018 شهدت معدل نمو هو الأعلى منذ عشر سنوات، حيث وصل إلى 5.3%، إلا أن الحافز الأساسي وراءه كان عمليات الاستخراج التي سجّلت نمواً بنسبة 8.6%، وساهمت بنسبة 15.8% من إجمالي معدل النمو السنوي، وهي من الأنشطة التي لا تتسم بكثافة العمالة. وهو ما يأتي عكس الدعاية التي تزعم أن مصر تحقق نموًا شاملًا أي أن ثماره توزع على أكبر قاعدة من المواطنين.

وأشار جمال الى أن السياسات الاجتماعية في الفترة المقبلة ستظل عاجزة عن الاهتمام بمصالح الطبقات العريضة في ظل هيمنة الأهداف المالية على الحكومة، وعلى صندوق النقد الدولي الذي ترتب معه مصر سياستها الاقتصادية في إطار اتفاقية الحصول قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، تمتد من 2016 إلى 2019.

وشن هجوما حادا على تفاخر الحكومة بتحقيقها فائضًا أوليًا في الموازنة العامة، والمقصود به الفرق بين النفقات والإيرادات بعد استبعاد خدمة الديون، «ما الذي يعنيه هذا المؤشر إذا كانت مصروفات خدمة الدين تقترب من 40% من إجمالي المصروفات؟».

وقال جمال إن صندوق النقد كان أكثر عقلانية من الحكومة في الفترة الأخيرة بشأن سياسات التقشف، مضيفا أن «هناك العديد من الأهداف التي تم الاتفاق عليها بين الحكومة والصندوق لم تتحقق، منها هدف يتعلق بالإنفاق على دور الحضانة لتشجيع المرأة على الاندماج في سوق العمل، وهو إجراء قد يراه البعض إصلاحًا محدودًا، لكن حتى هذا الإجراء كان هناك تراخٍ في تنفيذه، فالأهم بالنسبة للحكومة سد عجز الموازنة».

زيادة الفقر

ونشرت صحيفة البورصة مؤشرات أولية عن بحث الدخل والإنفاق الجديد الذي طال انتظاره، فمنذ بدء «برنامج الإصلاح الاقتصادي» لم تخرج الدولة بيانات جديدة عن الفقر، وبحسب التقرير فإن نسبة الواقعين تحت خط الفقر ارتفعت من 27.8% في 2015 إلى نحو 30%.

ورأى وائل جمال أن المصريين سيظلون تحت ضغوط معيشية في العام الجديد، في ظل اهتمام الحكومة بالمؤشرات المالية على حساب السياسات الاجتماعية، وحتى مع توسع الدولة في مشروعات إنشائية مثل العاصمة الإدارية الجديدة تساهم في توفير فرص العمل، والتي قد تبدو أقرب للسياسات المبنية على توسع الدولة في الإنفاق، فهي غير قادرة على تحقيق هذا الهدف.