كتب سيد توكل:
"السيسي سفك الدماء.. وسيحاسب"، وعدٌ قطعه الرئيس المنتخب محمد مرسي على نفسه في وقت سابق بمحاسبة وزير الدفاع الذي خان الأمانة وحنث باليمين، وقاد انقلابًا دمويًا في 30 يونيو 2013، تلك الدماء التي عظّم مرسي حرمتها فكانت نقطة قوته، في حين رآها السيسي بمنطق الحرب نقطة ضعف.. فولغ في سفك دماء المصريين حتى وصلت إلى ركبتيه وصنع من جماجمهم في رابعة والنهضة عرشاً، وجلس عليه!
بث الرئيس مرسي مرة أخرى الأمل للشارع الثوري، من خلال تصريحات أدلى بها خلال جلسه محاكمته الأحد الماضي، في الهزلية المعروفة إعلاميًا باسم "الهروب الكبير"، وقال في صمود لا تخطئه الأذن من داخل محبسه: "أنا ما زلت رئيس الجمهورية، وأرفض محاكمتي كليةً، والمحكمة غير مختصة بذلك مع احترامي لها"، بتلك الكلمات أعاد مرسي شوكة الشرعية في حلق جنرالات الانقلاب، وقد لا يكون أمرًا مستغربًا عند الشارع الثوري، خصوصًا أنه يحرص على تأكيد ذلك منذ الانقلاب في يوليو 2013 وحتى اليوم.
الشرعية تحقن الدماء
يؤكد المستشار "وليد شرابى" أن شرعية الرئيس مرسي ليست بإرادة أحد أن يتمسك بها أو يتنازل عنها فهي ملك للشعب المصري ككل ، بعد ثورة 25 يناير يقتضي من الجميع التمسك بشرعية الرئيس مرسي، وإن قهر إرادة العسكر لن يكون إلا بإعادة الرئيس إلى منصبه رغما عن السلطة العسكرية المتحكمة في مصر الآن.
وقبل ساعات قليلة من الانقلاب (الصهيوأمريكي) الذي قاده وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، تيقن الرئيس محمد مرسي ان الجيش يدبر لحمام دماء أو حرب أهلية تضمن عودته للحكم، ما دعاه للخروج على الشعب في وقت متأخر من ليلة الثلاثاء الأخيرة، وشدد على أنه مستعد أن "يبذل دمه" دفاعا عن شرعية الثورة وحرية الشعب التي أتت به، ونصح الجيش قائلاً إن احترام الشرعية هو "الضمان الوحيد لعدم سفك الدماء".
ولكن قرار الانقلاب كان قد تم اتخاذه بين عواصم عربية وأجنبية التي ترعاه، وأسدل الستار على مشهد الحرية والكرامة، وقال مرسي في الكلمة التي أذاعها التلفزيون المصري، وكرر فيها كلمة "الشرعية" مرات عديدة، "سأحافظ على الشرعية ودون ذلك حياتي أنا شخصيا"، وأضاف "إذا كان ثمن الحفاظ على الشرعية دمي ، فأنا مستعد أن أبذله".
ولم يفهم الكثيرون أن الرئيس مرسي أدرك حجم المؤامرة التي تتخطى أحلام وزير دفاعه بالجلوس على كرسي السلطة ولو سفك مليار جالون من الدماء، تلك المؤامرة التي تخرج خيوطها من وزارة الدفاع والمجلس العسكري لتتشابك مع البيت الأبيض ثم تعود بقوة لتنتهي أطرافها في أصابع صهاينة تل أبيب، مؤامرة كشفتها "تغريدة" للرئيس على حسابه الشخصي على تويتر، جاء فيها "الرئيس محمد مرسي يؤكد تمسكه بالشرعية الدستورية ويرفض أي محاولة للخروج عليها ويدعو القوات المسلحة إلى سحب إنذارها ويرفض أي إملاءات داخلية أو خارجية".
واتضحت المؤامرة في مهلة الـ48 ساعة التي حددها "بنيامين نتنياهو" على لسان صبيه "عبدالفتاح السيسي"، تحت مزاعم تنفيذ "مطالب الشعب"، وعاد مرسي ليذكر في خطاب أخير استغرق 45 دقيقة، أن المؤامرة ستضع الجيش أمام الشعب وستطحن الجميع وربما لو كشف مرسي ستار التفاصيل لكانت مذبحة رابعة والنهضة في ميدان التحرير، ولفاق العدد أضعاف ما سقط من الشهداء حتى الآن، وهو ما جعل مرسي يرجح كفة حقن الدماء، ويقول في نهاية آخر خطاب له: "أقول للمؤيدين والمعارضين: لا تسيئوا للجيش المصري وحافظوا عليه".
يقين الرئيس بسقوط الانقلاب
يؤكد مراقبون أن الأخطاء التي وقع فيها الثوار منذ 25 يناير كانت كثيرة جداً، ولكن أهمها هي عدم وجود قيادة للثورة، على عكس كل الثورات التي نجحت في دول كثيرة من العالم، ولقد منّ الله على الثورة المصرية بقائد عظيم صابر وصامد وقوي، حتى وهو يرتدي بدلة الإعدام، وهو الرئيس محمد مرسي، لذلك يجب على الثورة أن تهتدي بتوجيهاته وتعلي من قيمته وتضع كلماته دستوراً، وهذا الأمر يحرص العسكر وآلته الإعلامية على إلهاء المصريين عنه.
وفي خطابه الأخير قبل الانقلاب بساعات ، كشف الرئيس مرسي، أسباب القرار الذي اتخذه الخونة السياسيين والعسكريين ضده، بالقول "أصبح عندنا شرعية، رئيس منتخب، دستور بإرادة الأمة، نعمل وفق هذه الشرعية وهذه الشرعية هي الوحيدة التي تضمن لنا جميعا إذا احترمناها ألا يكون بيننا قتال أو اعتراك بالعنف أو أي نوع من أنواع سفك الدم".
وتابع في رفض واضح لسفك دماء المصريين من كافة الاتجاهات، "ّالشعب كلفني، الشعب اختارني في انتخابات حرة نزيهة الشعب عمل دستور.. كنت ومازلت وسأظل أتحمل المسؤولية".
وعقب تلميحات وإشارات الرئيس مرسي، نشر خونة المجلس العسكري بيانا عبر "فيس بوك" زعموا فيه أن "الجيش" مستعد للدفاع حتى الموت عن الشعب المصري، ونقل البيان عن السيسي قوله إن: "رجال الجيش يفضلون الموت على أن يروع الشعب المصري، أو يتعرض للتهديد"، وهو ما أثبتت الأيام عكسه وشهدت المجازر الدموية بصدق الرئيس مرسي، بداية من أول نقطة دم سقطت في مذبحة رابعة مرورًا لما بعدها، وآخر وليس أخيرًا دماء المسيحيين في تفجيرات الكنائس والقتل والتهجير في العريش.
"خارطة الطريق" التي أعلنها الخونة في جبهة الإنقاذ ذراع العسكر وحركة تمرد المخابراتية، شقت المصريين وسفكت دمائهم، وكانت ضمن أهدافها المعلنة إلغاء دستور الثورة الذي وافق عليه الشعب بالاستفتاء، وحل البرلمان الذي سيطر عليه الإخوان المسلمون بانتخابات حرة ونزيهة، أما السبب الجوهري الذي أخفاه السيسي هو تقطيع أوصال مصر، وحرمانها من قوتها أمام أعدائها وأولهم كيان العدو الصهيوني، وإفقار الشعب المصري، وتنفيذ سيناريو سوريا والعراق ببطء كما يحدث الآن في سيناء.
ما رأيك في عودة مرسي؟
وفي الوقت الذي ترتفع فيه أصوات تدين الرئيس مرسي، كونه تحمل المسولية وحده واختار عدم الزج بالشعب في صدام مؤكد مع الجيش، او الوقوع في حرب أهلية تحركها واشنطن وتل أبيب بأصابع خونة المجلس العسكري، ذكر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي "وائل قنديل"، ان سؤالاً طرح على عينة من 1000 مصري، من مختلف التيارات السياسية وشريحة منهم تنتمي لـ"حزب الكنبة"، يجمعهم رفض الانقلاب العسكري، ما رأيك في عودة مرسي؟
مع الوضع في الاعتبار أن السؤال يطرح في وقتٍ يستعد فيه برلمان الدم التلاعب بدستور "النوايا الحسنة" الذي صاغه الانقلاب، والتمديد لبقاء السيسي في السلطة، وبلغ إجمالي عدد الذين يعتبرون عودة الرئيس محمد مرسي أمراً مبدئيا، لا مساومة فيه 752 شخصا، بنسبة 93.18% فيما عبر 24 شخصاً عن رفضهم القاطع عودة الرئيس، بنسبة 2.97% بينما ذهب 31 شخصا، بنسبة 3.84% إلى أنهم ليسوا مهتمين بأمر عودته، ويفضلون ترك هذه المسألة للأيام.
من بين المشاركين من وضع حيثياته وأسانيده في الاختيار، سواء بالتشدد في التمسك بعودة مرسي، أو التطرف في رفضها تماماً، ولم تخرج الحيثيات في جهة المتمسكين بعودته عن "حقنا في استعادة العملية الديمقراطية" و"عودته تعني انتصار الثورة" و"دماء الشهداء وعذابات المعتقلين لا ينبغي أن تذهب هدراً"، بينما يبني الرافضون لعودته بشكل قاطع دفوعهم على أن المرحلة تجاوزته، فيما يقبل آخرون عودته، ولو بشكل رمزي مؤقت.
وعن صمود جماعة الإخوان المسلمين، وتصدرها المشهد الثوري رغم فاتورة الدم الباهظة التي دفعتها حتى الآن، يقول المستشار وليد شرابي، ثقتي في الإخوان كبيرة جدا وعلى مدار تاريخهم لم يسلموا من المحن أو الصعاب في يوم من الأيام، وان كانت محنتهم الحالية هي الأصعب والأعنف إلا أن صلابتهم حتى الآن هي الأنقى والأقوى وأثق أن المحنة ستزول كما زالت كل المحن السابقة، وسيستمرون بعدها أقوى كما استمروا بعد كل محنة.