سياسة الرسوم بزمن السيسي : الجباية كبديل عن الإصلاح ؟!

- ‎فيتقارير

يعكس قرار حكومة الانقلاب  بزيادة رسوم التأشيرات والتصديقات القنصلية، في الداخل والخارج، توجهاً ثابتاً في إدارة الأزمة الاقتصادية، يقوم على تعظيم الإيرادات السريعة من جيوب المواطنين، بدلاً من معالجة الأسباب البنيوية للعجز المالي وتراجع الموارد العامة. فالقرار لا يمكن عزله عن سياق أوسع من السياسات التي انتهجها النظام خلال السنوات الأخيرة، حيث تحولت الرسوم والخدمات الحكومية إلى أحد أهم مصادر التمويل غير المباشر للموازنة.
الزيادة الأخيرة، التي رفعت رسوم بعض المعاملات من جنيهات معدودة إلى مبالغ مقومة بالدولار، تأتي في لحظة يشهد فيها الاقتصاد المصري ضغوطاً استثنائية، أبرزها التضخم المرتفع، وتراجع قيمة العملة المحلية، وازدياد كلفة المعيشة. وهو ما يجعل أثر القرار مضاعفاً، ليس فقط من حيث القيمة المالية، بل من حيث توقيته الاجتماعي.
منطق “تحمل الكلفة” ونقل العبء
اللافت في تبريرات الحكومة أن وزارة الخارجية عزت القرار إلى عدم تحريك الرسوم منذ عام 1982، وإلى ارتفاع نفقات صيانة وتشغيل البعثات الدبلوماسية في الخارج. غير أن هذا المنطق يفترض ضمناً أن المواطن هو الطرف الوحيد القادر على “تحمل الكلفة”، بينما يغيب أي حديث عن ترشيد الإنفاق داخل الجهاز الإداري، أو مراجعة الامتيازات الواسعة التي تتمتع بها مؤسسات الدولة السيادية.
كما أن ربط الزيادة بتخفيف العبء عن الموازنة العامة يكشف خللاً أعمق في إدارة المال العام، إذ يتم اللجوء إلى المواطن لسد فجوات ناتجة عن سياسات إنفاق توسعية، ومشروعات كبرى لم تحقق عائداً اقتصادياً مباشراً، في مقابل تقلص الاستثمارات المنتجة وغياب خطط واضحة لزيادة الصادرات أو تحفيز الصناعة.
الصناديق الخاصة وإشكالية الرقابة
يكتسب القرار بعداً إضافياً في ضوء الجدل الذي دار داخل البرلمان حول تخصيص حصيلة الرسوم لصالح صندوق تابع لوزارة الخارجية، وهو ما دفع النواب إلى حذف مادة كاملة من القانون بدعوى عدم خضوع الصندوق للرقابة. هذه الواقعة تعيد إلى الواجهة إشكالية الصناديق والحسابات الخاصة، التي لطالما وُصفت بأنها “موازنة موازية” تعمل خارج إطار الشفافية والمساءلة.
ورغم حذف المادة، فإن القانون ما زال يتيح مستقبلاً رفع الرسوم إلى سقوف أعلى، ما يعني أن الباب لم يُغلق بالكامل أمام توسيع دائرة الجباية، وإنما أُعيد تنظيمها قانونياً فقط.
المصريون في الخارج… الحلقة الأضعف
يتحمل المصريون في الخارج جانباً كبيراً من أثر هذه السياسات، إذ تضاعفت الرسوم القنصلية خلال سنوات قليلة، في وقت تعتمد فيه الدولة بشكل كبير على تحويلاتهم من النقد الأجنبي. ورغم هذا الاعتماد، لا ينعكس الأمر في سياسات تخفيفية أو تحسين نوعي للخدمات، بل على العكس، يُنظر إليهم بوصفهم مورداً مالياً جاهزاً يمكن استنزافه عبر الرسوم والضرائب غير المباشرة.
غياب الإصلاح الهيكلي
في المحصلة، لا تبدو زيادات الرسوم جزءاً من خطة إصلاح اقتصادي شاملة، بقدر ما تمثل أداة قصيرة الأجل لسد العجز وتمويل الإنفاق الجاري. ومع استمرار تجاهل ملفات الفساد، وضعف الرقابة على المشروعات الكبرى، وتضخم دور الدولة على حساب القطاع الخاص، تتكرس معادلة واضحة: الدولة تُراكم الأزمات، والمواطن يدفع الثمن.
وهي معادلة تطرح تساؤلات جدية حول استدامة هذا النهج، ومدى قدرته على الصمود اجتماعياً واقتصادياً، في ظل تآكل الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم، واتساع الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع المعيشي.