هروب جماعي من المصحات النفسية … حين يتحول “العلاج” إلى خطر اجتماعي

- ‎فيتقارير

هروب جماعي من المصحات النفسية … حين يتحول “العلاج” إلى خطر اجتماعي

 

لم يكن مشهد هروب عشرات النزلاء من مصحة لعلاج الإدمان في منطقة المريوطية بمحافظة الجيزة حادثاً معزولاً، بقدر ما يعكس أزمة أعمق في منظومة الصحة النفسية وعلاج الإدمان في مصر، حيث يتقاطع الإهمال الرسمي مع غياب الرقابة، ويتحوّل العلاج من وسيلة للإنقاذ إلى محفّز للخطر. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، الأحد، إغلاق مصحة غير مرخصة بعد واقعة هروب جماعي لنزلائها، وإحالة القائمين عليها إلى النيابة العامة، على خلفية اتهامات بتعذيب المرضى والتقصير المتعمّد في تقديم الرعاية الطبية والغذائية، مقابل تحصيل مبالغ مالية مرتفعة من أسرهم.

 

الهروب كصرخة استغاثة بحسب روايات النزلاء الهاربين، لم يكن الفرار خياراً، بل محاولة للنجاة. مقاطع مصوّرة جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت آثار ضرب على وجوه بعضهم، إلى جانب شهادات عن استخدام العنف كبديل للعلاج، وتقليص الطعام، واحتجاز المرضى في ظروف غير إنسانية.

 

 هذا النمط المتكرر من الهروب يكشف حقيقة خطيرة، كثير من المصحات غير المرخصة لا تُدار بوصفها مؤسسات علاجية، بل كمشاريع ربحية مغلقة، يُختزل فيها المريض إلى “زبون” فاقد للحقوق، بلا رقابة فعالة أو مساءلة حقيقية.

 

إهمال البعد الاجتماعي… الجذر الغائب للأزمة

 

 تتعامل السلطات مع هذه الوقائع غالباً بوصفها مخالفات إدارية أو “كيانات غير شرعية”، فيما يتجاهل الخطاب الرسمي السياق الاجتماعي الأوسع للأزمة، فارتفاع معدلات الإدمان – التي تشير بيانات رسمية إلى وصولها إلى 11% من السكان، مقابل متوسط عالمي لا يتجاوز 5% – يرتبط مباشرة بتدهور الأوضاع الاقتصادية، والبطالة، والضغط النفسي، وتآكل شبكات الحماية الاجتماعية.

 

 غياب الدعم النفسي المجتمعي، وندرة الخدمات الحكومية الكافية، يدفع آلاف الأسر إلى اللجوء لمصحات خاصة، كثير منها يعمل في الظل، مستفيداً من يأس العائلات وخوفها من الوصمة الاجتماعية.

 مخاطر تتجاوز أسوار المصحات لا يقتصر خطر هذه الفوضى على النزلاء وحدهم، بل يمتد إلى المجتمع بأكمله.

 

فحالات الهروب الجماعي، كما حدث في المريوطية، تسببت في حالة هلع بين المواطنين، وأعادت إلى الواجهة وقائع مأساوية سابقة، أبرزها وفاة كريم صبري عام 2021، غرقاً أثناء هروبه من مصحة غير مرخصة.

 

كما أن تعريض المرضى للعنف وسوء المعاملة يزيد احتمالات الانتكاس، ويحوّل المتعافي المحتمل إلى قنبلة اجتماعية موقوتة، في ظل غياب المتابعة والعلاج السليم.

 رقابة متأخرة وحلول منقوصة تؤكد وزارة الصحة أنها أغلقت مئات المنشآت المخالفة خلال العام الجاري، وتوفر خدمات علاج الإدمان مجاناً عبر مستشفيات حكومية وخط ساخن.

 

غير أن تكرار الوقائع ذاتها يطرح تساؤلات حول جدوى المعالجة الأمنية والإدارية وحدها، في غياب سياسة شاملة تعالج جذور المشكلة.

 

 خلاصة المشهد هروب نزلاء المصحات ليس ظاهرة أمنية، بل مؤشر اجتماعي خطير على فشل منظومة الرعاية النفسية، وتراجع دور الدولة في حماية الفئات الهشة.

ومع استمرار إهمال البعد الاجتماعي، سيبقى العلاج محفوفاً بالمخاطر، وسيظل المواطن، مريضاً كان أو عابراً في الشارع، يدفع ثمن هذه الفوضى.