قال مراقبون: إن "العقوبات الأميركية الأخيرة استهدفت شبكة كولومبية مرتبطة بتجنيد مرتزقة لصالح قوات الدعم السريع، لكنها لم تُوجّه مباشرة إلى الإمارات، لذلك العلاقات بين أبوظبي والولايات المتحدة لم تُمس بشكل رسمي حتى الآن، بل ما زالت قائمة في مجالات واسعة مثل التجارة، الطاقة، والاستثمارات".
وأضاف المراقبون أن العلاقات الرسمية مستمرة، لكن العقوبات تفتح الباب أمام تآكل الشرعية الدولية تدريجياً، وتحوّل الإمارات من شريك مقبول إلى طرف مثير للجدل.
وإن كان هناك تأثير غير مباشر يعني تضرر سمعة الإمارات مع كل تقرير أو تحقيق يربطها بشبكات المرتزقة أو بتمويل قوات الدعم السريع، حتى لو لم تُذكر في نص العقوبات.
وفرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية اليوم عقوبات على أربعة أفراد وأربع كيانات بسبب دورهم في تأجيج الحرب الأهلية في السودان، وهي حرب تسببت في أسوأ أزمة إنسانية مستمرة في العالم.
وتقوم هذه الشبكة العابرة للحدود—المكوّنة أساسًا من مواطنين وشركات كولومبية—بتجنيد أفراد من العسكريين الكولومبيين السابقين وتدريب مقاتلين، بمن فيهم أطفال، للقتال لصالح قوات الدعم السريع (RSF) السودانية شبه العسكرية.
وتستهدف الخزانة شبكة تُجنّد مقاتلين لصالح قوات الدعم السريع (RSF)، لقد أظهرت قوات الدعم السريع مرارًا استعدادها لاستهداف المدنيين—ومن بينهم الرضّع والأطفال الصغار، وقد أدّى بطشها إلى تعميق الصراع وزعزعة استقرار المنطقة وخلق بيئة خصبة لنمو الجماعات الإرهابية.
وبدعم من مقاتلين كولومبيين، سيطرت قوات الدعم السريع على الفاشر في 26 أكتوبر 2025 بعد حصار دام 18 شهرًا، ثم شاركت في عمليات قتل جماعي للمدنيين، وتعذيب عرقي ممنهج، وعنف جنسي. وفي 7 يناير 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنّ أعضاء من قوات الدعم السريع ارتكبوا جريمة الإبادة الجماعية.
وكشف تحقيق وثائقي لمنظمة أمريكية يكشف عن قيام شركة إماراتية أسسها أحمد محمد الحميري الأمين العام لديوان الشيخ محمد بن زايد، بتوريد المرتزقة الكولومبيين إلى السودان لدعم قوات الدعم السريع، التحقيق الخطير يكشف طريقة تحويل الأموال إلى المرتزقة، والتدريب، ودور الشيخ منصور بن زايد وطحنون بن زايد في تلك العمليات، عبر شبكات معقدة في الامارات وبنما وكولومبيا.
سناريو ترامب للفوضى الخلاقة
الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق يرى أن ترامب يوظف معلومات من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ليبرر انخراطه في الملف السوداني، بينما الهدف الحقيقي هو إعادة إنتاج سياسة "الفوضى الخلاقة" التي تعتمدها واشنطن منذ سنوات، هذه السياسة تقوم على بيع السلاح، إبقاء الدول العربية ممزقة بالحروب الأهلية، وتعزيز النفوذ الأميركي عبر السيطرة على الموارد الطبيعية والمنافذ البحرية.
وربط "القيق" بين هذا المشروع وبين "صفقة القرن" التي مزقت الحدود العربية وأضعفت القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن مجلس السلام في سيناء يمهد لتوسيع جغرافي بحجة الاستقرار، لكنه عملياً يخلق مناطق عازلة تُقدَّم لاحقاً لإسرائيل كجزء من مشروع "إسرائيل الكبرى"، ويؤكد أن انخراط ترامب في السودان ليس معزولاً، بل جزء من مخطط يمتد إلى ليبيا وجنوب سوريا ولبنان، حيث تُحوَّل سيناء إلى قاعدة عسكرية ضخمة تخدم التوسع الإسرائيلي.
وانتقد الكاتب بشدة خطاب ترامب الذي وصف السودان بالفوضى، معتبراً أن التصفيق له في القاعة يعكس تواطؤاً مع الأكاذيب الأميركية، ويخلص إلى أن "اليوم التالي" لهذه السياسات يعني تلاشي الحقوق الفلسطينية، تغذية الصراعات الطائفية، وضبط إيقاع عالم أحادي القطبية يخدم إسرائيل والولايات المتحدة، ومع ذلك، يشير إلى أن بعض الدول الإسلامية بدأت تدرك خطورة المعادلة، وأن الموقف الحاسم من السياسات الإسرائيلية المقبلة سيحدد ما إذا كان التغيير في المشهد القاتم قد حان.
نبذ المجتمع المدني الامريكي
الأكثر تأثيرا بحسب البعض قرار وضغوط المجتمع الأكاديمي والمدني الأميركي، كما في قرار جامعة ميريلاند بقطع العلاقات الأكاديمية مع الإمارات، وهو مؤشر على بداية نبذ شعبي وأكاديمي، لا على مستوى الحكومات بعد.
وبدأت أول جامعة أمريكية تفتح باب محاسبة الإمارات على جرائمها فجامعة ميريلاند، إحدى أكبر الجامعات الحكومية في الولايات المتحدة، أقرت عبر جمعيتها الطلابية قراراً تاريخياً يدعو إلى قطع العلاقات الأكاديمية مع الإمارات، تماماً كما فعلت جامعات أخرى مع الكيان الصهيوني.
وهو ما يعني ان لتقارير التي تُدين الإمارات بدعم ميليشيا سودانية متورطة في الإبادة الجماعية أصبحت أوضح من أن تُدفن تحت المال واللوبيات، ولهذا خرج الطلاب ليقولوا كلمة العصر، لا شراكة مع دولة متهمة بتمويل التطهير العرقي.
والجامعة طُلب منها الآن أن تُنهي برامجها التعليمية في الإمارات فوراً، وفي مقدمتها برنامج إدارة الأعمال والابتكار في أبو ظبي، وهو البرنامج الوحيد المتبقي.
وإذا توسعت العقوبات لتشمل شركات أو شخصيات إماراتية، ستصبح أبو ظبي في مواجهة مباشرة مع النظام المالي الأميركي، وهو ما قد يفرض عليها إعادة حساباتها.
تشكل الحرب الأهلية في السودان تهديدًا لاستقرار المنطقة وقد تجعل البلاد ملاذًا آمنًا للجهات التي تُهدد الولايات المتحدة، وتؤكد الولايات المتحدة التزامها بالمبادئ الواردة في بيان 12 سبتمبر 2025 المشترك بشأن استعادة السلام والأمن في السودان، والذي يدعو إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها هدنة دائمة وعملية انتقالية شفافة تؤدي إلى حكومة مستقلة مدنية، وتدعو الولايات المتحدة مجددًا الجهات الخارجية إلى وقف تقديم الدعم المالي والعسكري لأطراف النزاع.
الوضع العسكري
وأعلنت مليشيات الدعم السريع سيطرتها على حقل هجليج النفطي، أكبر حقول النفط في السودان، بعد معارك عنيفة مع الجيش وهذا التطور يهدد الاقتصاد السوداني بشكل مباشر، إذ أن النفط يمثل أحد أهم مصادر الإيرادات.
وبالمقابل، انسحب الجيش السوداني تكتيكياً من مواقع استراتيجية مثل هجليج (وحقل هجليج موضع نزاع بين السودان وجنوب السودان منذ الانفصال عام 2011، وشهد اشتباكات محدودة عام 2012) وبابنوسة، مبرراً ذلك بالرغبة في تجنيب حقول النفط الدمار وأكد خبراء عسكريون أن هذا الانسحاب قد يكون مقدمة لهجوم مضاد، لكنه في الوقت نفسه يعكس ضعفاً ميدانياً.
وبالإضافة إلى هجليج، تسيطر قوات الدعم السريع على حقول نفط غربية كانت الصين تديرها منذ التسعينيات قبل أن تغلقها مع بدء الحرب، وأفادت شركة البترول الوطنية الصينية الشهر الماضي للحكومة السودانية بنيتها إنهاء استثماراتها.
وبهذه السيطرة أحكمت مليشيات الدعم السريع أحكمت سيطرتها على ولايات دارفور الخمس بالكامل، ودخلت بورتسودان، العاصمة البديلة لحكومة الجيش، خط المواجهة المباشر، ما ينذر بتوسع رقعة الحرب.
وانخرطت "الدعم السريع" مؤخرا في تحالف مع الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، ما عزز انتشارها في جبال النوبة وبعض مناطق ولاية النيل الأزرق الخاضعة لهذا الفصيل منذ سنوات.
واستعاد الجيش الخرطوم في مارس 2025، لكن الدعم السريع أعاد تموضعه في الغرب ليشن هجمات جديدة.
وحذرت الأمم المتحدة من أن تقدم الدعم السريع قد يؤدي إلى نزوح جماعي جديد، خاصة بعد السيطرة على الفاشر وهجليج ويقدر عدد النازحين الجدد في كردفان وحدها بنحو 40 ألف شخص، مع مخاوف من امتداد النزاع إلى مناطق جديدة.
وتسببت الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 في مقتل عشرات الآلاف وتشريد قرابة 12 مليون شخص داخليا أو خارجيا، إضافة إلى دمار واسع في البنية التحتية.
وكشف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، عن مقتل 114 شخصا بينهم 63 طفلا، جراء ضربات على مستشفى وروضة أطفال بجنوب كردفان، واصفا الهجوم بأنه "عبثي"، بينما نسبت السلطات المحلية المسؤولية لقوات الدعم السريع.
وبات السودان عمليا مقسما، إذ يسيطر الجيش على مناطق الشمال والوسط والشرق، فيما تفرض قوات الدعم السريع وحلفاؤها نفوذهم على الغرب وأجزاء من الجنوب.