الشباب المصرى يواجه الضياع فى زمن الانقلاب فلا عمل ولا دخل ولا زواج أو تكوين أسرة والبطالة تدفع الجميع إلى مستنقع لا نهاية له لدرجة أن بعض حملة المؤهلات الجامعية أصبحوا يعملون فى مهن لا ترقى لمستوى تعليمهم بل ويصفها المجتمع بأنها دونية لكن لقمة العيش تدفعهم إلى هذا الاتجاه بسبب الفقر والعوز والحاجة.
محمد وياسين وصالح، شباب جميعهم في عمر متقارب في مطلع العقد الثالث من العمر، اثنان منهم خريجا جامعات، والثالث يحمل شهادة متوسطة، الأول من محافظة الشرقية، والثاني من الجيزة، أما الثالث فمن محافظة بني سويف…المهنة التي اتخذها كل واحد منهم سبيلًا للعيش لا تشبه ما كان يدور في مخيلاتهم وأحلامهم حين كانوا طلابًا، من خلال تقديم مهاراتهم في سوق الأعمال المنزلية، كتنظيف الشقق والفيلات، وغسيل السجاد والمفروشات، بالإضافة إلى الطهي الذي يجيده أحدهم.. هذه التجربة كانت غاية في الصعوبة حيث اصطدمت بأنماط اجتماعية ثابتة، لكن الأزمة الاقتصادية هى كلمة السر .
أوضاع معيشية صعبة
فى هذا السياق أكد الخبير الاقتصادي عبد الشافي مقلد، المستشار الاقتصادي لمركز الشرق الأدنى للدراسات إن سبب حالة الارتباك تلك، هو تغير المعطيات الاقتصادية،مشددا على أن العامل الاقتصادي يُعتبر المتغير الثابت الذي يجر خلفه كافة المتغيرات التابعة الأخرى.
وقال مقلد فى تصريحات صحفية: الأوضاع المعيشية الصعبة التي يواجهها الشاب المصري تدفعه نحو طرق كافة الأبواب، المألوف والمستغرب، شأنه في ذلك شأن الحكومات والدول، مشيرا إلى أن ما يجبر دولة العسكر على مغازلة صندوق النقد الدولي للحصول على قرض معروف كارثيته على الاقتصاد الوطني على المدى البعيد، هو ذاته الذي يدفع شابًا جامعيًا للتخلي عن شهادته التي باتت بلا قيمة، والتوجه إلى العمالة المنزلية، متخليًا عن كافة الأعراف الاجتماعية، وضاربًا بـ'البرستيج' عرض الحائط.
وأضاف : الهزة العنيفة التي تعرضت لها مصر اقتصاديًا خلال العشرية الأخيرة فى زمن الانقلاب أحدثت حالة من الزحزحة السلبية في طبقات المجتمع، فزجّت بالملايين من أبناء النخبة إلى الطبقة المتوسطة، ومثلهم من أبناء الطبقة المتوسطة إلى الدنيا، بخلاف مستنقع الفقر الذي يستوعب كل عام أرقامًا مرعبة.
البطالة والفقر
وأوضح مقلد أنه حين تغلق الأبواب أمام الشباب، إما ببطالة تتزايد بشكل مخيف، أو بوظائف ذات أجور متدنية، لا يجد أمامه إلا البحث عن فرص أخرى، تلبي له الحد الأدنى من احتياجاته التي لا تتحقق في الوظائف التي تعتبر "مقبولة اجتماعيًا"، وفي ظل التغير الكبير في النظرة المجتمعية للعديد من المهن والوظائف مؤخرًا، باتت العمالة المنزلية مجالًا مغريًا للكثيرين، خاصة في ظل عائدها المادي الذي قد يصل إلى ضعف ما يتحصل عليه الشاب في الوظيفة الحكومية على سبيل المثال.
وكشف أن الظاهرة تتسع رأسيًا وأفقيًا، وأنها مرشحة للزيادة في الفترة القادمة إذا ما تصاعدت معدلات البطالة والفقر، خاصة بعد تقنينها بشكل مُرضٍ نفسيًا للكثير من أبناء تلك المهنة، حين تحولت إلى قطاع له أبجديات وأسس، بما يشبه النظام المؤسسي، مشيرا إلى أن بعض الشباب لديهم تطبيقات إلكترونية يعرضون من خلالها خدماتهم على الزبائن.
تطبيقات إلكترونية
وأكد الدكتور سعيد صادق أستاذ الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة أن الظاهرة ليست جديدة مشيرا إلى أن تفاقم الفقر في الريف المصري على وجه الخصوص يؤدي إلى تصدير الكثير من الأسر للفتية والفتيات للخدمة المنزلية.
وقال صادق فى تصريحات صحفية : لم تعد مهنة التنظيف في مصر مجرد عمل يدوي، بل قطاع يشبه المؤسسات، بعض العاملين فيه يستخدمون تطبيقات إلكترونية، ويشكلون فرقًا مدرّبة، ويقدّمون خدماتهم بمعايير واضحة موضحا أن هناك أفلام مصرية قديمة نرى فيها شبابًا ريفيين يعملون في المنازل كأمر طبيعي.
وعن تقبل المجتمع لمثل هذه الظاهرة، أوضح أن الأمر بات عاديًا ولا حرج فيه على الإطلاق، خاصة وأن مثل هذه الأعمال المنزلية التي يعمل بها شباب، هي قديمة ومعروفة للجميع، وليست طارئة على المجتمع حتى يلفظها أو يبدي اعتراضًا عليها، منوهًا بأن الكثير من الذكور يعملون في تلك الأعمال.
وربط صادق تفشي تلك الظاهرة في المجتمع المصري بالوضع المعيشي والاقتصادي للشعب المصري فى زمن الانقلاب، مؤكدا أنه كلما زادت الحاجة وتدنّى المستوى المعيشي وارتفعت معدلات البطالة، وتوغّل الفقر داخل مفاصل المجتمع، كلما انتشرت الكثافة الذكورية في مجال العمالة المنزلية، بصورة أكبر مما كانت عليه في العهود السابقة.