تصاعدت الانتقادات الحقوقية لممارسات ميلشيات أمن الانقلاب ضد عمال فرع شركة «مودرن جاس» للغاز الطبيعي بمحافظة سوهاج وعمال فرع قنا، حيث أُلقي القبض على نحو 16 عاملًا من المحافظتين، في حملة أمنية انقلابية على البيوت، مساء الجمعة الماضي لإجبار عمال الفرعين على إنهاء الإضراب عن العمل والوقفات الاحتجاجية والتضامنية.
وأعتبرت المنظمات الحقوقية القاء القبض على عمال يطالبون بحقوقهم جريمة وانتهاكا لحقوق الإنسان، معربة عن أسفها للجوء نظام الانقلاب إلى ممارسات أقرب للبلطجة وتخالف القانون والدستور .
كان عمال فرع شركة «مودرن جاس» للغاز الطبيعي بمحافظة سوهاج، قد دخلوا في إضرابٍ عن العمل تضامنًا مع زملائهم في فرع الشركة بقنا، الذين يواصلون تنظيم وقفات احتجاجية، للمطالبة بإلغاء «عقود العمل من الباطن» الصادرة من شركة المؤسسة العربية للتوريدات والمقاولات.
وطالب العمال بالتعيين مباشرة في «مودرن جاس»، ووقف الاستقطاعات الشهرية التي تستقطعها الإدارة من رواتبهم.
ووفقاً للعمال المضربين، فإنهم يعملون في الشركة منذ نحو عشر سنوات بعقود من الباطن تُجدد سنويًا مع «شركة المؤسسة العربية للتوريدات والمقاولات»، التي تخصم حوالي 1300 جنيه شهريًا من رواتبهم نظير التعاقد للعمل في "مودرن جاس".
مطالب مشروعة
فى هذا السياق أعلنت “لجنة العدالة” عن تضامنها الكامل مع عمال «مودرن جاس» للغاز الطبيعي بمحافظتى سوهاج وقنا .
وطالبت اللجنة فى بيان لها حكومة الانقلاب بضرورة التعامل مع مشاكل العمال، وتحقيق مطالبهم المشروعة خاصة المتعلقة بالتعيينات المباشرة، مؤكدة ضرورة حماية حقوق العمال وصون كرامتهم.
عقود الباطن
وأكدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات تضامنها الكامل مع إضراب عمال شركة الغاز “مودرن جاس” في قنا وسوهاج وسائر المحافظات الذي بدأ قبل عدة أيام، مشددة على أن مطالبهم الأساسية، المتمثلة في إلغاء عقود العمل من الباطن، والتعيين المباشر، والحصول على أجر لا يقل عن الحد الأدنى للأجور، والتمتع بأمان وظيفي يتناسب مع سنوات خدمتهم، مطالب مشروعة ومتسقة مع الدستور والقانون والالتزامات الدولية.
وكشفت المفوضية في بيان لها، أنه وفقاً لشهادات موثقة حصلت عليها يبلغ عدد العمال المؤقتين نحو 2500 عامل موزعين على عدد من المحافظات، ويمثلون قرابة 75٪ من قوة العمل بالشركة.
وقالت : يعمل هؤلاء بعقود من الباطن عبر شركة “المؤسسة العربية للتوريدات والمقاولات”، رغم أن طبيعة عملهم دائمة ومتواصلة ومرتبطة بالنشاط الرئيسي للشركة، وبعضهم يعمل بهذه الطريقة منذ أكثر من عشر سنوات، دون الحصول على ضمانات وأمان العمل الدائم من تأمينات اجتماعية وغيرها.
وأضافت المفوضية : يشكو العمال، خاصة في قنا وسوهاج، من قيام المقاول باقتطاع ما يصل إلى 30٪ من أجورهم نظير التعاقد من الباطن، إلى جانب تدنّي مستويات الأجر الفعلي بحيث تظل أقل من الحد الأدنى للأجور المقرر المحدد بسبعة آلاف جنيه شهرياً.
وقال البيان: يأتي هذا الإضراب في سياق أوسع من موجة احتجاجات في مرافق عامة حيوية مملوكة لدولة العسكر وقطاع الأعمال العام، مثل الكهرباء والمياه وحاليا الغاز، ما يكشف عن نمط تُدار به أوضاع العمال في مؤسسات عامة بمنطق تقليص الكلفة لا بمنطق احترام الحقوق.
ولفت إلى أنه إذا كانت حكومة الانقلاب، بوصفها صاحب عمل في هذه القطاعات، تتغاضى عن تطبيق القوانين والمعايير التي أقرتها هي نفسها، فإن ذلك يؤكد أن أصحاب الأعمال في القطاع الخاص يتحركون في مساحة أوسع للإفلات من الالتزام بالقانون وانتهاك حقوق عمالهم دون رادع.
وأكد البيان أن هذا الوضع يناقض عدداً من الأحكام الدستورية والقانونية، منها: إهدار ما يقرره الدستور من أن العمل حق تكفله دولة العسكر، وأن عليها حماية حقوق العمال، وبناء علاقات عمل متوازنة، وضمان أجر عادل وحياة كريمة، والحق في الإضراب السلمي، واستخدام العقود محددة المدة والمتجددة، على مدى عشر سنوات أو أكثر، في أعمال دائمة ومتصلة بالنشاط الرئيسي للشركة، بما يحوّل العلاقة الواقعية إلى علاقة عمل غير محددة المدة، يجب أن يتمتع صاحبها بضمانات الاستقرار الوظيفي وأمنه. ومخالفة القواعد المنظمة للحد الأدنى للأجر بعدم الالتزام بالحد المقرر، بل وإجراء استقطاعات كبيرة من الأجر تجعله يهبط عن هذا الحد.
تحقيق عاجل
وأشار إلى أن هذه الأوضاع فيها مخالفة صريحة لمبدأ أساسي في القانون الدولي، الذي يحظر على صاحب العمل، أو من يمثله، تقاضي أي مبالغ من العامل أو اقتطاع جزء من أجره مقابل تشغيله أو استمرار تشغيله؛ الأمر الذي يجعل من استمرار الاقتطاع من أجر العمال نظير استمرارهم في العمل عبر المقاول مخالفة دولية، لا مجرد نزاع تعاقدي عادي.
وطالبت المفوضية وزارة العمل بحكومة الانقلاب بفتح تحقيق عاجل في عقود عمال “مودرن جاس” المتعاقدين عبر “المؤسسة العربية للتوريدات والمقاولات”، خاصة ما يتعلق بخصم نسب كبيرة من الأجر مقابل استمرار التعاقد، إلى جانب ضمان عدم التعرض للعمال المشاركين في الإضراب والاحتجاج السلمي بأي إجراءات انتقامية أو تعسفية.
ودعت كلا من وزارة بترول الانقلاب وإدارة شركة “مودرن جاس” إلى وقف الاعتماد على عقود العمل من الباطن في الوظائف الدائمة والمتصلة بالنشاط الرئيسي للشركة، ووضع خطة زمنية واضحة لتثبيت العمال الذين تجاوزت مدة عملهم عبر المقاول ثلاث سنوات، مع أولوية خاصة لمن تجاوزت خدمتهم عشر سنوات.
وشددت المفوضية على ضرورة ان يُراجع المجلس القومي للأجور مدى التزام “مودرن جاس” والشركات المشابهة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، بما في ذلك العمالة التي تعمل عبر مقاولين من الباطن.
وطالبت باتخاذ إجراءات رقابية معلنة ضد الكيانات التي تتعمد التحايل على الحد الأدنى للأجر عبر العقود غير المباشرة أو الاستقطاعات غير القانونية مشيرة إلى ضرورة إدخال تعديلات على قانون العمل رقم 14 لسنة 2025 لسد الثغرات التي تسمح باستدامة عقود مؤقتة لعشرات السنين، وللنص صراحة على مسئولية صاحب العمل الأصلي عن حقوق العمال الذين يعملون لحسابه عبر المقاولين، وعلى الحظر الصريح لأي خصم من أجر العامل مقابل حصوله على العمل أو استمراره فيه.
شروط العمل
وأعلن مكتب عمال حزب التحالف الشعبي الاشتراكي تضامنه الكامل مع عمال شركة «مودرن جاس» في محافظتي قنا وسوهاج، مؤكدًا دعمه لكل العمال الذين يواصلون الدفاع عن حقوقهم في مختلف القطاعات.
وقال المكتب فى بيان له إن القبض على ستة عشر عاملًا من منازلهم عقب احتجاجهم على أوضاع العمل غير المستقرة، ليس حادثًا منفصلًا، بل حلقة جديدة في سلسلة الصراع المتصاعد بين رأس المال والعمل، وبين من ينتجون الثروة ومن يُحرمون من نصيبهم العادل فيها.
وأشار البيان إلى أن الأشهر الستة الماضية شهدت ما لا يقل عن 14 احتجاجًا عماليًا موثّقًا من الإسكندرية إلى أسوان، شملت قطاعات الغزل والنسيج والكهرباء والمياه والسكر والألومنيوم وشركات الدواء والغاز الطبيعي.
وأوضح أن هذه الاحتجاجات، تكشف عن توجهات واضحة تؤدي إلى تدهور شروط العمل، وانخفاض الأجور الحقيقية مع موجات الغلاء، وغياب تطبيق الحد الأدنى للأجور في قطاعات عديدة، إضافة إلى التوسع في العمل بعقود من الباطن التي تحرم العمال من الاستقرار والحقوق.
وقال المكتب إن عمال «مودرن جاس»، الذين يعمل بعضهم منذ عشر سنوات بعقود سنوية متجددة من الباطن، لا يطالبون إلا بحقهم الطبيعي في الأجر العادل والتعيين المستقر، معتبرا أن نظام المقاولات الباطنية يظل أداة يستخدمها رأس المال لنقل المخاطر كاملة إلى العمال مع الاحتفاظ بالأرباح .
واعتبر أن الاستقطاعات الشهرية التي تصل إلى 1300 جنيه تمثل انتقاصًا مباشرًا من القيمة التي ينتجها العامل، مؤكدا أن القبض على العمال بدل الاستجابة لمطالبهم العادلة يعكس انتقال الصراع من مستوى المطالب المباشرة إلى محاولة فرض «السلم الطبقي» بالقوة .
تكاليف المعيشة
ولفت المكتب إلى أن التجارب التاريخية تُظهر أن القمع لا ينهي المطالب بل يفاقمها ويعمّق وعي الطبقة العاملة بطبيعة الصراع، معتبرا أن ما شهدته مصانع السكر والألومنيوم والغزل والنسيج والكهرباء والمياه وشركات الأدوية يعكس أن هيكل الأجور لم يعد قادرًا على مجاراة تكاليف المعيشة.. ومع الزيادات المرتقبة في أسعار الخدمات الأساسية، وبالتالى ستتسع الفجوة بين الأجور وتكاليف إعادة إنتاج قوة العمل، ما ينذر بموجات احتجاجية جديدة.
وأكد أن التضامن مع العمال ليس موقفًا سياسيًا عابرًا، بل قراءة لطبيعة الصراع الاجتماعي، موضحا أن العمال الذين يطالبون بتطبيق الحد الأدنى للأجور ورفض الاستقطاعات غير القانونية من خلال الشركات الوسيطة، ويمارسون حقهم المشروع في الاعتراض على ظروف العمل، يمثلون قوة أصحاب حقوق لا مخالفي قانون.