تصاعدت الاعتراضات على قانون الإجراءات الجنائية الكارثى الذى صدق عليه قائد الانقلاب الدموى عبد الفتاح السيسي بعد موافقة مجلس نواب الطراطير في جلسته العامة المنعقدة يوم 16 أكتوبر الماضي على التعديلات المطلوبة من السيسي ونشرت الجريدة الرسمية قانون الإجراءات الجنائية رقم 174 لسنة 2025 في العدد الصادر رقم ٤٥ مكرر (د) فى 12 نوفمبر لسنة 2025.
وأعلنت نقابة المحامين أنها سوف تطعن على قانون الإجراءات الجنائية أمام المحكمة الدستورية، تنفيذًا لقرار النقيب العام.
وطالبت النقابة السيسي بسحب التعديلات قبل سريانها، باعتبار أنها تمسّ حق الدفاع وتُخل بضماناته بشكل جوهري
كان نقيب المحامين، عبد الحليم علام، قد جدّد خلال مداخلته أمام برلمان السيسي في جلسة مناقشة تعديلات القانون في 16 أكتوبر الماضي، اعتراض النقابة على أي تعديل يُدخل استثناءات على المادة 105، معتبرًا أن ذلك يمسّ جوهر ضمانات الدفاع المنصوص عليها في المادة 54 من الدستور، التي تشترط حضور محامٍ مع المتهم وعدم جواز التحقيق أو الاستجواب في غيابه.
وأكد علام أن التعديل المقترح من حكومة الانقلاب، والذي أقرته اللجنة الخاصة، يصطدم نصًا وروحًا بالدستور وبمبادئ العدالة .
وأوضح إن تحديد الهدف في هذه المرحلة يجب أن يكون واضحًا، مؤكدا أن المادة 105 مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمادة 54، ولا يجوز المساس بها تحت أي مبرر.
وأضاف علام : المنتج النهائي يصدر باسم الشعب المصري، ومن ثمّ لا يجوز المساس بضمانات الحقوق والحريات التي أقرّها الدستور مؤكدًا أن نقابة المحامين لن توافق على إدخال أي استثناء من شأنه التأثير على جوهر الضمانات الدستورية.
المحاكمة الغيابية
يشار إلى أن تعديلات السيسي تضمنت تأجيل العمل بالقانون إلى أول العام القضائي التالي لصدوره في 1 أكتوبر 2026، بزعم إتاحة الوقت الكافي لتدريب جهات إنفاذ القانون، وتجهيز المحاكم بمراكز الإعلان الهاتفي المنصوص عليها في التشريع. كذلك شملت عرض قضايا المحبوسين احتياطيًا على النائب العام كل ثلاثة أشهر، تنفيذًا لتوصية اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، بدلاً من العرض مرة واحدة فقط كما كان في مشروع القانون السابق.
بالإضافة إلى الإبقاء على وسائل الإعلان التقليدية في القضايا إلى جانب الإعلان الإلكتروني حتى لا تتعطل المواعيد والإجراءات عند تعذر استخدام الوسائل التقنية. وتعزيز ضمانات المحاكمة الغيابية في الجنايات، من خلال إلزام المحكمة بتأجيل جلسة الاستئناف مرة واحدة إذا تعذر حضور المتهم أو محاميه، لإتاحة الفرصة لممارسة حق الدفاع.
تعديلات السيسي
من جانبه قال عمرو الخشّاب، عضو مجلس نقابة المحامين، إن نقابة المحامين تتجه للطعن على قانون الإجراءات الجنائية أمام المحكمة الدستورية، تنفيذًا لقرار النقيب العام.
وأوضح الخشّاب فى تصريحات صحفية أن النقابة ما زالت تطالب السيسي بسحب التعديلات قبل سريانها، باعتبارها تمسّ حق الدفاع وتُخل بضماناته بشكل جوهري مشيرا إلى أن موقف النقابة يستند أيضًا إلى ما صدر مؤخرًا عن السيسي من اعترافه بوجود إشكاليات في العملية الانتخابية .
فرصة أخيرة
وأكد المحامي الحقوقي ممدوح جمال، عضو حملة نحو قانون إجراءات جنائية عادل، إن الباب ما زال مفتوحًا أمام “فرصة أخيرة” لوقف تطبيق قانون الإجراءات الجنائية الجديد، رغم إقراره رسميًا من عبد الفتاح السيسي.
وقال جمال فى تصريحات صحفية إن العمل بالقانون يمتد حتى أكتوبر 2026، وهي فترة انتقالية تسمح لبرلمان السيسي المقبل بإعادة النظر في القانون كاملًا أو الاكتفاء بتعديل مواد محددة منه، مستشهدًا بسابقة قانون العمل الأهلي الذي أُلغي رغم صدوره ونشره رسميًا، بعد ضغط مجتمعي واسع.
وحذر من أن القانون بصيغته الحالية يمثّل تحولًا خطيرًا في منظومة العدالة الجنائية، وأن الاعتراض عليه لا يقتصر على المحامين والحقوقيين، إذ بدأ عدد من المحامين بالفعل في نشر مقاطع مصوّرة على منصات التواصل للتحذير من العواقب الكارثية المتوقعة عند بدء تطبيقه.
وأشار جمال إلى أن الأزمة المقبلة لن تكون سياسية أو حقوقية فحسب، بل مهنية أيضًا، نظرًا لما قد يخلقه القانون من صدام واسع بين المحامين من جهة، والنيابة العامة والسلطة القضائية من جهة أخرى.
وأكد أن دولة العسكر ليست مستعدة بالبنية التحتية أو التقنية اللازمة لتطبيق نموذج “رقمنة العدالة” المنصوص عليه في القانون، لافتًا إلى أن معظم المحاكم تفتقر إلى الحد الأدنى من التجهيزات التي تجعل هذا الانتقال ممكنًا.
وشدد جمال على أن تفادي الأزمة يتطلب تضافر كل القوى المدنية والحقوقية والمهنية في هذه المرحلة، قبل أن تتحول التحذيرات المتداولة إلى واقع فعلي .
قانون كارثي
واعتبر الحقوقي حسام بهجت المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن مسار قانون العمل الأهلي يعد واحدًا من أبرز السوابق التشريعية حول إمكانية التراجع عن القوانين حتى بعد صدورها رسميًا مشيرا إلى أنه في مايو 2017 صدّق السيسيعلى قانون الجمعيات الأهلية، على أن يبدأ العمل به بعد صدور لائحته التنفيذية خلال عام. إلا أن اللائحة لم تصدر، ولم يدخل القانون حيّز التنفيذ.
وقال بهجت فى تصريحات صحفية : في نوفمبر 2018، عاد السيسي نفسه ليعلن، خلال إحدى جلسات منتدى شباب العالم، عدم رضاه عن القانون الذي وقّع عليه قبل عام، مطالبًا بإعادة النظر فيه وتعديله قبل تطبيقه وذلك بعد أن تزايدت الانتقادات المحلية والدولية للقانون ليقرّ مجلس نواب السيسي في يوليو 2019 قانونًا جديدًا للجمعيات الأهلية، وتم إلغاء قانون 2017 الذي سبق وأن وافق عليه المجلس نفسه ونُشر في الجريدة الرسمية بعد تصديق السيسي.
وشدد على أن هذه السابقة تؤكد أن التراجع عن القوانين أو استبدالها ليس احتمالًا نظريًا، بل مسارًا تحقّق فعليًا في ظل ذات الحقبة السياسية.
وأكد بهجت أن إمكانية إسقاط أو تعديل قانون الإجراءات الجنائية “الكارثي”، الذي صدر مؤخرًا ليست فرضية نظرية، بل احتمال قابل للتحقق، وقد حدث ما هو مماثل بالفعل في هذا العهد، وفي واحدة من أكثر اللحظات قتامة في سجل القمع خلال السنوات الماضية.
ولفت إلى أن المعركة التي اندلعت منذ تحرك هذا المشروع المثير للجدل في صيف العام الماضي حتى اليوم يجب أن تستمر ليس فقط لأن القانون لن يبدأ تطبيقه قبل عام، ولا من باب المسؤولية المهنية والأخلاقية فحسب، بل أيضًا من أجل انتزاع ما يمكن انتزاعه من مكاسب، أو على الأقل تقليل الخسائر، أو حتى الحفاظ على ما تبقى من منظومة عدالة جنائية تتعرض لانهيار وشيك يهدد الجميع.