تحليل سياسي : إلغاء الانتخابات في 19 دائرة… دلالات تدخل السلطة التنفيذية وتحوّل المشهد الانتخاب
أثار قرار الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر إلغاء نتائج التصويت في 19 دائرة فردية ضمن المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب، موجة واسعة من الجدل السياسي والقانوني، وسط تساؤلات بشأن حجم تدخل السلطة التنفيذية في المسار الانتخابي، وانعكاسات ذلك على صورة النظام ومستقبل البرلمان الجديد، تغوّل على القضاء أم “تصحيح مسار”؟
ورغم تأكيد رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات أن قرار الإلغاء جاء بعد ثبوت “عيوب جوهرية” مست العملية الانتخابية—من تفاوت الأصوات بين اللجان، وعدم تسليم محاضر الفرز، والدعاية أمام المقار الانتخابية—إلا أن توقيت القرار، وصدوره مباشرة بعد دعوة صريحة من المنقلب عبد الفتاح السيسي للهيئة بضرورة “التدقيق الكامل” و”عدم التردد في إلغاء التصويت”، فتح الباب أمام تساؤلات أوسع ، فخبراء قانونيون ومراقبون يرون أن توجيهات السلطة التنفيذية—خصوصاً عندما تأتي من رأس الدولة—قد تُفسَّر كضغط على هيئة يفترض أن تكون مستقلة، ما يطرح علامات استفهام حول مدى الفصل بين السلطات في مصر، ويذهب بعضهم أبعد من ذلك بالقول إن ما جرى “يكرّس تغوّل السلطة التنفيذية على العملية الانتخابية برمتها”، في ظل غياب الإشراف القضائي الكامل الذي كان معمولا به قبل تعديل الدستور ، دور محمود السيسي، ولماذا لا يغيب عن المشهد؟ وفي موازاة ذلك، أعاد المشهد الانتخابي فتح النقاش حول دور الأجهزة الأمنية في رسم خريطة التحالفات والحركة الحزبية، وهو دور يتردد اسمه بقوة فيه، وعلى رأسه محمود السيسي، نجل السيسى الأكبر والضابط الرفيع في جهاز المخابرات،
ووفق تقديرات سياسيين معارضين ومطلعين على بنية النظام، فإن بقاء محمود السيسي في قلب المطبخ السياسي—بدلاً من إبعاده كما طالب كثيرون منذ سنوات—يرتبط بطبيعة تحوّل النظام ذاته؛ إذ باتت الأجهزة الأمنية اللاعب الأساسي في اختيار رؤساء أحزاب الموالاة، وإدارة “توازنات” البرلمان، والتحكم في تدفق المال السياسي، وهو ما انعكس بوضوح في مستوى الإنفاق وتنافس رجال الأعمال على دوائر النفوذ خلال الانتخابات الأخيرة.
اعتراف ضمني بالأزمة؟
ورأى متابعون أن تصريحات المنقلب السيسي في أكثر من مناسبة حول “الفساد” و”الاستغلال" و”محاولات التلاعب” في الانتخابات، تحمل اعترافاً ضمنياً بوجود خلل بنيوي داخل النظام السياسي ذاته، لا يمكن نسبه إلى المعارضة أو جماعة الإخوان كما يروّج الإعلام الرسمي، فإلغاء هذا العدد الكبير من الدوائر يشير، وفق محللين، إلى أن الأزمة ليست في المنافسة، بل في إدارة العملية الانتخابية نفسها ،هل يخشى السيسي سيناريو 2010؟ وتطرح هذه التطورات سؤالاً محوريّاً: هل يخشى النظام تكرار سيناريو انتخابات 2010 التي سيطر فيها الحزب الوطني بالكامل على البرلمان، ما أدى إلى فقدان الغطاء السياسي الشعبي قبيل ثورة يناير؟ تشير بعض الدوائر السياسية إلى أن النظام يدرك مخاطر إعادة إنتاج برلمان “مصفّى” بالكامل من المنافسة، ما قد يفاقم السخط الاجتماعي والسياسي في ظل أزمة اقتصادية خانقة، وبالتالي، فإن الإلغاء قد يكون محاولة لإعادة توزيع الأوراق ومنح “شرعية شكلية” أو “تنفيس محسوب” للمشهد.
فاتورة إعادة الانتخابات… من يتحملها؟ اقتصادياً
يفتح الإعلان عن إعادة التصويت في 19 دائرة باباً واسعاً للتساؤل حول فاتورة العملية، خاصة في ظل وضع مالي ضاغط، فإعادة الاقتراع تعني: رفع نفقات تأمين اللجان إعادة تجهيز المقار الانتخابية تكاليف الطباعة والنقل واللوجستيات نفقات إشراف الجهات الرقابية والإدارية وبحسب خبراء، فإن دافع هذه الكلفة هو الموازنة العامة للدولة، أي المواطن المصري في النهاية، بما يعيد النقاش إلى مدى جدوى انتخابات تعاد بسبب إشكالات كان يفترض منعها قبل وقوعها .
المشهد الأوسع
برلمان تحت السيطرة وبالرغم من إلغاء الدوائر، أعلنت الهيئة الوطنية فوز “القائمة الوطنية من أجل مصر”—المدعومة من الدولة—بجميع مقاعد القوائم المغلقة.
ما يعني أن إعادة الانتخابات لن تغيّر من الخريطة العامة للبرلمان، الذي يتوقع خبراء أن يكون الأكثر انضباطاً وتماشياً مع توجيهات السلطة منذ 2015.
نادي القضاه
وفي المقابل، أصدر نادي القضاة بياناً لافتاً أكد فيه عدم إشراف القضاة على الانتخابات، ما يعزز لدى معارضين مخاوف فقدان أهم ضمانات النزاهة التي كانت موجودة لعقود ماذا يعني ذلك إن إلغاء الانتخابات في 19 دائرة بهذا الحجم غير مسبوق في تاريخ الانتخابات المصرية الحديثة، ويكشف: اختلالات خطيرة في إدارة العملية الانتخابية تدخلات مباشرة من رأس السلطة التنفيذية في مسار يفترض أنه مستقل تنامي دور الأجهزة الأمنية في تشكيل المشهد السياسي خشية من تكرار سيناريوهات سابقة لما قبل 2011 وفتح الباب أمام نقاش أوسع حول مستقبل الحياة السياسية في مصر، وحدود قدرة النظام على إدارة مؤسسات تبدو شكلية في ظل تغييب المنافسة الحقيقية.
