سمح مسؤولون عسكريون سودانيون في مدينة أم درمان لصحفيي واشنطن بوست عام 2024، بمعاينة طائرة مسيّرة قال المسؤولون: إنها "أُسرت من مقاتلي مليشيا الدعم السريع، إلى جانب ذخائر خاصة بها، وذلك ضمن تقرير للواشنطن بوست نشرته الأحد".
وشارك المسؤولون صورًا لصناديق الذخيرة التي تم ضبطها، بما في ذلك صندوق يحمل ملصقًا يشير إلى أن الذخائر صُنعت في صربيا، وأُرسلت إلى قيادة الإمداد المشتركة في القوات المسلحة الإماراتية.
وتتبع (مرصد الصراع في السودان) – المموّل من وزارة الخارجية الأميركية- الرحلات الإماراتية (رصد 32 رحلة بين يونيو 2023 ومايو 2024)، وخلص “بدرجة شبه مؤكدة” إلى أنها كانت شحنات أسلحة من الإمارات إلى قوات الدعم السريع، وفق تقييم شاركه المرصد مع “الواشنطن بوست” عام 2024.
وتحت عنوان (الإمارات تواجه غضبًا متزايدًا بسبب دعمها للجماعات شبه العسكرية في السودان) قالت صحيفة "واشنطن بوست": إن "الإمارات تواجه موجة غضب دولي متصاعدة، بسبب تورّطها في الحرب الأهلية السودانية، بعد أن شنّ مقاتلو قوات الدعم السريع المدعومون من الدولة الخليجية أواخر الشهر الماضي هجومًا دمويًا في مدينة الفاشر، قتلوا خلاله عائلاتٍ وأطباءَ ومدنيين آخرين".
و أدانَت جماعاتٌ حقوقية وأعضاءٌ في الكونجرس الأميركي وخبراءٌ إقليميون أفعالَ قوات الدعم السريع في الفاشر باعتبارها إبادة جماعية، وحمّلوا الإمارات مسؤولية دعم المقاتلين وتأجيج العنف الذي دمّر إقليم دارفور غربي السودان طوال أكثر من عامين.
ورغم الأدلة التي تُظهر أن الدولة الخليجية قد زوّدتها بالذخائر والطائرات المسيّرة وغيرها من أشكال الدعم العسكري، تنكر الإمارات دعمها لقوات الدعم السريع.
البحر الأحمر
وقالت الصحيفة: إن "تورّط الإمارات في الحرب الأهلية السودانية، بحسب خبراء، يرتبط بمصالحها في البحر الأحمر الذي يمر عبره نحو 12 % من الشحن العالمي".
وأشارت إلى أن هذا "الأحمر" ممر بحري حيوي للتجارة في الموانئ الإماراتية، وتمتلك الدولة الغنية بالنفط مصالح في قطاعات الذهب والزراعة في السودان، في إطار جهودٍ أوسع لتنويع اقتصادها.
ونبهت الصحيفة إلى أن واشنكن فرضت عقوبات على شخصيات بارزة في قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، ودعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مجلس الأمن إلى فرض عقوبات إضافية على قيادة الدعم السريع، بسبب انتهاكها حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على دارفور عام 2004، كما ضغطت المنظمة الحقوقية على المجتمع الدولي لـ“التحدث علنًا وإدانة” الإمارات بسبب دعمها المستمر لـ“هذه القوة التي تواصل ارتكاب الفظائع”.
ونقلت عن ليتيسيا بدر، مديرة قسم القرن الأفريقي في المنظمة: "لم نشهد بعدُ توجيه اتهامٍ علني وإحراجٍ دبلوماسي للإمارات بالشكل المطلوب الآن، وحتى الآن، لم تدفع الإمارات أي ثمن سياسي على هذا الدعم المتواصل، وهذه دولة تهتم كثيرًا بصورتها، ومن الضروري للغاية أن يدعوها شركاؤها حول العالم إلى المساءلة بشأن دعمها المستمر لقوات الدعم السريع".
روبيو يلمح للإمارات
وفي الوقت الذي قدّم كبير دبلوماسيي إدارة ترامب الأربعاء أشدَّ انتقاداته حتى الآن لداعمي قوات الدعم السريع، قال وزير الخارجية ماركو روبيو عندما سُئل عن تقييمه لدور الإمارات في النزاع: إن "الإدارة تعرف الأطراف المنخرطة، ولهذا السبب هم جزء من الرباعية"، في إشارة إلى مجموعة الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة وتضم أيضاً الإمارات والسعودية ومصر.
وأضاف روبيو للصحفيين عقب اجتماع وزراء مجموعة السبع في كندا: “يجب اتخاذ خطوات لوقف الأسلحة والدعم الذي تتلقّاه قوات الدعم السريع بينما تواصل تقدمها”.
وتابع روبيو قائلاً: “قوات الدعم السريع لا تملك قدرات تصنيع، وهناك من يزوّدها بالمال، وهناك من يعطيها السلاح، وهذا الدعم يأتي عبر دولة ما، ونحن نعرف من هي، وسنتحدث إليهم بشأن ذلك، ونجعلهم يفهمون أن هذا الأمر سينعكس سلباً عليهم وعلى العالم إذا لم نتمكن من إيقافه".
ودعا السيناتور كريس فان هولن (ديمقراطي–ماريلاند) والعضوان رشيدة طليب (ديمقراطية–ميشيغان) وغريغوري ميكس (ديمقراطي–نيويورك) في الكابيتول هيل، إلى حظر شامل على مبيعات الأسلحة إلى الإمارات.
كما انتقدت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين دورَ الدولة الخليجية في الحرب، قائلة إن الإمارات “أجّجت الصراع واستفادت منه ومنحت الشرعية للوحوش التي تدمّر السودان”.
مرحلة الفاشر
وأشارت الصحيفة إلى أن الحرب الأهلية السودانية دخلت مرحلة جديدة في أواخر أكتوبر عندما استولى مقاتلو قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بعد حصارٍ دام أكثر من عام، وكانت آخر معاقل القوات المسلحة السودانية في الإقليم.
وفرّ نحو 600 ألف شخص من المدينة ومحيطها خلال تلك الفترة، لكن نسبة قليلة فقط منهم وصلت إلى بلدة طويلة المجاورة، واضطر كثيرون إلى دفع رشى باهظة للهروب، وتعرضوا للسرقة أو الاغتصاب أو القتل على الطرق، بحسب تقارير سابقة للصحيفة.
وقالت الأمم المتحدة: إن " 260 ألف شخص بقوا داخل الفاشر عندما اقتحمت قوات الدعم السريع المدينة، ومنذ ذلك الحين، تمكّن أقل من 90 ألف شخص من الفرار، وفق ما أعلنت المنظمة الدولية للهجرة يوم الأربعاء، وقد جعل انقطاع التيار الكهربائي على مستوى المدينة من الصعب معرفة ما حدث لمن تبقّوا داخل الفاشر".
وزعمت واشنطن بوست أن الحرب في السودان "حرب أهلية" وقالت إنها اندلعت في أبريل 2023 بعد صراع على السلطة بين قائد قوات الدعم السريع ورئيس الجيش السوداني، إلى نزاع مدمر متواصل لسنوات، حصد أرواح مئات الآلاف، وشرّد أكثر من 12 مليون شخص، واستدرج قوى إقليمية مثل الإمارات والسعودية، ليصبح أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
وأدعت لصحيفة أن القوات المسلحة السودانية حظيت بدعم خارجي أيضًا، إذ تلقت أسلحة من إيران وتركيا وروسيا، وفق ما سبق أن نشرته صحيفة “واشنطن بوست" (في حين أن تلقي الجيش السوداني أسلحة أمر طبيعي أما حصول مليشيا انفصالية على السلاح هو الأمر غير القانوني أو الطبيعي).
ولتبدو الإدارة الأمريكية "حيادية" (وهي أبعد عن ذلك بقاع سحيق). فرضت إدارة بايدن في يناير الماضي، عقوبات على قائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو وعلى قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، متهمةً الطرفين بارتكاب جرائم حرب، بحسب واشنطن بوست.
وقالت وزارة الخارجية الإماراتية في بيانٍ لـ”واشنطن بوست” بتاريخ الخامس من نوفمبر: إنّها “تُدين الانتهاكات الإنسانية الجسيمة والجرائم البشعة المرتكبة ضد المدنيين” في مختلف أنحاء السودان.
وأضافت الوزارة أنّ “استهداف المدنيين والمناطق السكنية والمرافق الحيوية في جميع المناطق التي تشهد مواجهات مسلّحة يمثّل تصعيدًا خطيرًا وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ولجميع المبادئ الإنسانية والأخلاقية".
وعندما سُئل أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، عن تقارير دعم بلاده لقوات الدعم السريع خلال قمة أمنية في البحرين الأسبوع الماضي، لم يُقرّ بالاتهامات، واكتفى بالقول إن المجتمع الدولي ارتكب “خطأً فادحًا” عندما فشل في منع الانقلاب العسكري في السودان عام 2021، وأضاف قرقاش: “كان ينبغي أن نضع حدًّا لذلك جميعنا، بشكل جماعي. نحن لم نسمّه انقلابًا”.
وكانت قوات الدعم السريع تستخدم طائرات مسيّرة وذخائر وأسلحة أخرى زوّدتها بها الإمارات لتنفيذ حملتها الإرهابية في دارفور، بحسب ما سبق أن نشرته صحيفة “واشنطن بوست”.