جرائم قتل الزوجات تحولت إلى ظاهرة تهدد بتفكك المجتمع المصري في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي، حادثة قتل تلو الأخرى، عنف مستمر ومتكرر، هذا هو ما تشهده محافظات مصر بعدما أقدم رجال قستْ قلوبهم على قتل زوجاتهم في وقائع بعضها حدث في وضح النهار، الأمر الذي يكشف عن شرخ كبير في جدار الأسرة المصرية، ويشير إلى عنف غير مبرر أشبه بالوباء المتصاعد الذي لا تزال تفاصيله المروعة تهز الرأي العام، وتكشف عن أزمة عنف أسري متفاقمة.
لم تعد هذه الجرائم مجرد حوادث فردية، بل تحولت إلى ظاهرة اجتماعية تتسم بالبشاعة والتخطيط المسبق، وتلقي بظلال ثقيلة على النسيج الأسري ، حيث تنوعت مسارح الجرائم، لكن دافع السيطرة ورفض الانفصال ظل القاسم المشترك، ما أدى إلى تحول بيوت الزوجية إلى مسارح للقتل .
هذه الظاهرة يغذيها الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد في زمن الانقلاب، وتراجع مستوى المعيشة ،وعجز الأسر عن الحصول على متطلباتها الأساسية .
جريمة في قلب شبرا الخيمة
في واحدة من أكثر الحوادث إثارة للغضب، اهتزت منطقة شبرا الخيمة على وقع جريمة قتل مروعة، حيث أقدم شاب على إنهاء حياة طليقته طعنًا بالسكين وسط الطريق العام، أمام المارة.
جاءت هذه الجريمة النكراء بعد أن رفضت الضحية مساعي طليقها للعودة إليه، أو ربما بسبب علمه بارتباطها بشخص آخر، ما فجر غضبه على المرأة التي رفضت العودة إليه بعد الانفصال، تحولت الدماء على الأسفلت إلى رمز للثمن الباهظ الذي تدفعه النساء لقرار رفض الاستمرار في علاقة فاشلة.
واقعة مأساوية في المنوفية
جريمة شبرا هي واقعة مكررة لما حدث في حي الزيتون بمدينة السادات محافظة المنوفية، والذي شهد واقعة مأساوية حين أقدم سائق يبلغ من العمر 36 عامًا، على طعن طليقته، أثناء اصطحابها لأطفالها من المدرسة عقب انتهاء اليوم الدراسي.
الجريمة المروعة التي أثارت حالة من الذعر والحزن بين الأهالي تكشفت تفاصيلها حينما تلقت مديرية أمن الانقلاب بالمنوفية إخطارًا عاجلاً يفيد بمقتل سيدة شابة أمام مدرسة في حي الزيتون، ووفقًا للتحقيقات الأولية، كانت الضحية تنتظر خروج أبنائها "بما في ذلك نجلها الصغير" من المدرسة عندما باغتها طليقها، الذي تربص بها مسبقًا وأخفى سكينًا داخل ملابسه وسدد لها عدة طعنات قاتلة في أجزاء حيوية من جسمها، مما أدى إلى وفاتها في الحال وسط صرخات الطفل الصغير الذي شهد الحادث المرعب.
إخفاء الجثمان في الإسماعيلية
لم تتوقف البشاعة عند حد القتل؛ ففي محافظة الإسماعيلية، كشفت الصدفة عن جريمة مروعة تتجاوز حدود العنف العادي، أقدم زوج على قتل زوجته بدم بارد، ثم قام بعملية معقدة لإخفاء جريمته، حيث دفن الجثمان في حفرة داخل المنزل، وصبَّ عليها الأسمنت، بل وبنى سورًا فوقه ليُبعد أي شبهة.
ظل الزوج يتظاهر بـالبحث عن زوجته المفقودة لعدة أشهر، قبل أن يكشف أعمال التوسعة التي قام بها حارس العقار عن السر المروع تحت البلاط، هذا السلوك يعكس ليس فقط الإجرام، بل محاولة متعمدة ومخططة لإفلات الجاني من العقاب.
خلع ينتهي بالقتل في بني سويف
من الإسماعيلية إلى صعيد مصر وبالتحديد في محافظة بني سويف، حيث كانت محكمة الأسرة هي الشرارة التي أشعلت غضب القاتل، حيث قررت زوجة رفع دعوى "خلع" لإنهاء زواجها المضطرب، لكن هذا الإجراء القانوني لم يمر بسلام، واعتبر الزوج أن طلب الخلع يمثل طعنًا في رجولته وإهانة لا تغتفر فقرر الانتقام.
لاحق الزوج زوجته وطعنها بسلاح أبيض لينهي حياتها، معترفًا في التحقيقات بأن الدافع الرئيسي كان تكرار الخلافات الزوجية وقيامها برفع قضية ضده، هذه الجريمة تبرهن على أن مجرد رغبة المرأة في إنهاء علاقة مسيئة يمكن أن يكلفها حياتها.
زوج يلقي زوجته من الطابق الثالث
في حادثة أخرى، كشفت تفاصيلها عن مدى سهولة تحول الخلاف العادي إلى كارثة مميتة، في بورسعيد، أقدم زوج على إلقاء زوجته من شرفة منزله في الطابق الثالث، بعد مشادة كلامية بسيطة داخل المطبخ بدأت بخلاف على وجبة طعام، وعلى الرغم من أن الضحية نجت من الموت، إلا أنها تعرضت لكسور خطيرة وفقدت جنينها.
في التفاصيل، أكد الجاني أنه لم يقصد القتل، لكن فعلته المتهورة كشفت عن غياب كامل للتحكم في الغضب، وأن الحياة الزوجية باتت مهددة بالانهيار لأتفه الأسباب.
نِتاج معقد
يتفق خبراء علم النفس والاجتماع على أن تصاعد هذه الحوادث ليس صدفة، بل هو نتاج تداخل معقد بين عوامل نفسية واجتماعية واقتصادية.
وحدد الخبراء روشتة للقضاء على هذه الموجات الإجرامية المتكررة من العنف الأسري، فبجانب العقاب القضائي، يجب أن يكون هناك جانبًا إصلاحًيا للمجتمع بأسره، وهو ما يتطلب سرعة التشريع والحماية، ضرورة تسريع إقرار وتفعيل قانون شامل لمناهضة العنف ضد المرأة يوفر آليات حماية عاجلة للمهددات، ويعرف "قتل النساء" كجريمة خاصة.
وشددوا على ضرورة إنشاء المزيد من مراكز التأهيل الأسري الإلزامي قبل الزواج وبعده، بهدف توفير الدعم النفسي والاجتماعي، عبر خطوط ساخنة فعالة ومراكز إيواء آمنة للناجيات من العنف، وإلى جانب ذلك يأتي دور الإعلام والدراما، من خلال تقديم محتوى إعلامي يتضمن رسائل تدعو للتوقف عن "تطبيع" العنف أو تبريره، والتركيز على إرساء قيم الحوار والتفاهم بدلاً من العنف كوسيلة لحل المشكلات.
ظروف اقتصادية صعبة
في هذا السياق قال استشاري الطب النفسي الدكتور جمال فرويز: إن "العامل النفسي هو المحرك الأساسي لتكرار جرائم العنف الأسري خاصة اذا ارتبط بظروف اقتصادية صعبة".
وأضاف فرويز في تصريحات صحفية أن نفسية الجاني سواء كان رجلا أو امرأة إذا اقترنت بعوامل خارجية مثل الإدمان تصبح أكثر خطورة، حيث يعتبر تدهور الصحة النفسية وإدمان المخدرات، خاصة في الفئات الأقل تعليماً، من أبرز العوامل التي تتسبب في اتساع رقعة العنف الأسري.
وتابع : يلعب التعاطي دورًا في تغييب الوعي وتضخيم النزعات العنيفة، مما يجعل الجاني يرتكب جريمته بدم بارد أو في حالة من الهياج غير المسيطر عليه، موضحا أن من الأسباب الرئيسية للقتل فقدان الشخص لذاته ودخوله في مرحلة العقل المجنون الذي يثيره لون الدماء، ما يدفعه إلى قتل زوجته أو أبنائه، أو ارتكاب جرائم مشابهة لذلك.
الرجولة والشرف
وقالت الدكتورة سهير لطفي استاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية: إن "هناك عوامل أخرى تتسبب في تكرار حوادث العنف الاسري، من بينها الموروث الثقافي الخاطئ وحب السيطرة، حيث يظل المفهوم المغلوط لـ "الرجولة" و"الشرف" هو المحرك الأساسي لكثير من الجرائم ".
وأشارت سهير لطفي في تصريحات صحفية إلى أن الجاني يرى أن المرأة ملكية خاصة، وأن الطلاق أو الرفض يمثل خسارة لـ "هيبته"، مما يدفع للانتقام لاستعادة السيطرة حتى لو كان الثمن هو القتل.
وأكدت أن الضغوط الاقتصادية وتفاقمها والأوضاع الاقتصادية الصعبة تزيد من الضغط داخل الأسر، وتتحول الخلافات المالية العادية إلى نوبات غضب عنيفة قد تنتهي بجريمة، حيث يصبح العنف متنفساً لعجز الرجل عن توفير متطلبات الحياة.