يفضح دولة
في واقعة جديدة تكشف إلى أي مدى بلغ الفساد في عهد عبد الفتاح السيسي، أحالت نيابة الأموال العامة العليا أحد كبار المسؤولين في مصلحة دمغ المصوغات والموازين إلى محكمة الجنايات، بتهمة اختلاس مشغولات ذهبية وفضية بقيمة تتجاوز 300 مليون جنيه كانت مودعة بخزينة المصلحة كأحراز قضائية لصالح النيابة العامة، في واحدة من أكبر قضايا الاختلاس التي تشهدها البلاد خلال السنوات الأخيرة.
القضية التي حملت الرقم (105 لسنة 2025 حصر وارد أموال عامة عليا) والمتهم فيها نادي عبد النبي لبيب، أمين خزينة التفتيش الفني بالمصلحة، تكشف عن انهيار منظومة الرقابة داخل مؤسسات الدولة التي باتت تحت إدارة عناصر تدين بالولاء لا بالكفاءة، في ظل هيمنة الأجهزة الأمنية على مفاصل التعيين والاختيار، بعد إقصاء أصحاب الأمانة والخبرة، واستبعاد الإسلاميين وكل من عُرف بنزاهته.
ووفق قرار الإحالة، فإن المتهم استغل موقعه الوظيفي واختلس أحرازًا تضم 63 كيلوجرامًا من الذهب ومشغولات فضية بوزن يزيد عن كيلوجرام، احتبسها لنفسه بنية التملك، دون وجه حق أو إذن قضائي، ليتم اكتشاف الجريمة بعد مراجعة دورية كشفت عجزًا ضخمًا بخزينة المصلحة.
تقرير اللجنة الفنية التي شكلتها النيابة أكد أن القيمة الإجمالية للمصوغات المختلسة بلغت نحو 300 مليون جنيه، ما يشير إلى فجوة خطيرة في منظومة الرقابة والإشراف على الأحراز داخل واحدة من أكثر الهيئات حساسية في وزارة التموين.
هذه القضية ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة فساد ممنهج تغلغلت جذوره في مؤسسات الدولة منذ استيلاء السيسي على الحكم، حيث تحوّلت المناصب إلى مكافآت للمقرّبين من الأجهزة، فيما يُقصى الشرفاء الذين لا يقبلون الانصياع.
ولعل المقارنة تفرض نفسها؛ ففي عهد الرئيس المدني الشهيد محمد مرسي، كان اختيار القيادات يتم على أساس الأمانة والكفاءة، حتى أن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات آنذاك، المستشار هشام جنينة، كشف أن حجم الفساد في الدولة يتجاوز 600 مليار جنيه، فما كان من السيسي إلا أن اعتقله بعد أن أطاح به، ليغلق الباب أمام أي رقابة حقيقية أو كشف للفساد.
اليوم، وبعد مرور أكثر من عقد على الانقلاب، يتضح أن الدولة التي يسيطر عليها العسكر والأجهزة الأمنية قد غرقت حتى الحلقوم في مستنقع الفساد، من القمة إلى القاع، وأن الشعارات عن "محاربة الفساد" لم تكن سوى غطاء لتمكين الفاسدين واستبعاد الأمناء.