في مشهد متكرر ومثير للقلق، شهدت مصر خلال الأعوام الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في ما تُسمّيه منظمات حقوقية “العقاب بالوكالة”، حيث تستهدف السلطات المصرية أسر النشطاء والمعارضين المقيمين في الخارج، كمحاولة لإرغامهم على الصمت أو معاقبتهم بسبب نشاطهم السلمي.
المنظمات الحقوقية المصرية والدولية اعتبرت، في بيان مشترك صدر الاثنين، أن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحرية والأمان الشخصي، واحترام الحياة الخاصة، وحظر العقوبات الجماعية. وتشمل هذه الانتهاكات الاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري، والمداهمات الأمنية المتكررة، ومصادرة الممتلكات، والفصل التعسفي من الوظائف العامة، إضافة إلى منع النساء من السفر وسحب جوازات سفرهن أثناء محاولتهن أداء مناسك دينية أو زيارة أقارب بالخارج.
نماذج من الحالات
صبحي عيد (63 عامًا): والد الناشط الإعلامي سيف الإسلام عيد، الذي يقدم بودكاست "عنبر كله يسمع" ويكشف شهادات معتقلين سابقين. اعتُقل صبحي في 22 أكتوبر 2025 بعد مداهمة منزله في الإسكندرية، وأُخفي قسريًا ثلاثة أيام قبل عرضه على نيابة أمن الدولة العليا. يُرجّح أن الاعتقال جاء رداً على حلقة للبودكاست تناولت انتهاكات داخل سجون مصرية سرية. وقد سبق أن اعتُقل صبحي لمدة 18 يومًا في أبريل 2025 على خلفية نشاط ابنه الإعلامي.
سيد خميس: اعتُقل تعسفيًا في مايو 2025 واختفى قسريًا ثلاثة أسابيع بسبب نشاط شقيقه الحقوقي في الخارج. شقيقه الآخر تعرض للاعتقال لفترة قصيرة قبل الإفراج عنه.
عائلة الصحفي أحمد جمال زيادة: اعتُقل والد أحمد عدة أيام في أغسطس 2023 كخطوة انتقامية من نشاط ابنه الصحافي في المنفى.
عائلة الحقوقي محمد سلطان: في 2020، تعرض عدد من أقاربه لمداهمات واعتقالات بعد رفعه دعوى قضائية في محاكم أميركية ضد مسئولين مصريين سابقين. والده المحتجز في السجون المصرية يعاني من إهمال طبي ومعاملة عقابية.
عبد الرحمن عياش، وهشام عبد الله، وحسيبة محسوب: تعرضت أسرهم لمضايقات متكررة، وأُحيل بعضهم لمحاكمات غيابية أو محتجزون في ظروف مطوّلة تجاوزت الحبس الاحتياطي القانوني.
تحليل الأسباب والدوافع
يبدو أن الهدف الرئيسي من هذه الممارسات هو استخدام الأسرة وسيلة للضغط النفسي والسياسي على النشطاء في الخارج، وهو أسلوب يكرس منطق الانتقام الجماعي ويقوض سيادة القانون. فالتهديد المباشر بالعائلة يجعل الناشطين أقل قدرة على التعبير بحرية، ويحول نشاطهم الحقوقي والإعلامي إلى مصدر خطر على أقربائهم، ما يعكس توجهًا ممنهجًا لاستهداف الروابط الأسرية كأداة للسيطرة السياسية.
دعوات حقوقية
طالبت المنظمات الحقوقية المصرية والدولية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين من عائلات النشطاء، ووقف سياسة الانتقام ضد أقارب المعارضين، والكشف عن مصير جميع المختفين قسريًا، وإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في الانتهاكات، ومحاسبة المسئولين عنها. من أبرز هذه المنظمات: المنبر المصري لحقوق الإنسان، ومركز النديم، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ولجنة حماية الصحافيين، ومبادرة مصرية للحقوق الشخصية.