في مشهد يعكس حجم الأزمة التي تواجه نظام المنقلب السيسي في حشد المصريين للانتخابات، امتنعت الهيئة الوطنية للانتخابات لليوم الثاني على التوالي عن نشر أي صور للناخبين في لجان الاقتراع بالخارج خلال المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب. وهذه الخطوة فُسرت على نطاق واسع بأنها محاولة للتعتيم على الفشل في تعبئة الناخبين، بعدما بات العزوف الشعبي هو العنوان الأبرز لأي عملية انتخابية يجريها النظام.
فبينما كانت الهيئة تملأ الصفحات الرسمية بالصور المكررة في انتخابات سابقة لتجميل المشهد، اختارت هذه المرة الصمت الكامل، بل إن حتى السفارات المصرية امتنعت عن نشر صور اللجان، واكتفت سفارة موسكو بصورة يتيمة للسفير وهو يدلي بصوته في صندوق انتخابي بدا خالياً تماماً من أوراق الناخبين.
هذا التعتيم لم يكن مفاجئاً؛ فصور انتخابات مجلس الشيوخ في أغسطس الماضي كشفت حينها عزوفاً شبه كامل للمصريين في الخارج، الأمر الذي أحرج النظام داخلياً وخارجياً، ودفعه إلى منع تكرار الفضيحة في انتخابات البرلمان الحالي.
وفي الوقت الذي تحاول فيه السلطة تمرير المشهد الدعائي بعبارات "الإقبال الجيد"، تؤكد مصادر داخلية أن الإقبال لا يتجاوز أعداد العاملين بالسفارات وبعض أقارب المرشحين في دول الخليج، خصوصاً في الكويت والسعودية والأردن، حيث يلعب التعصب القبلي والعائلي الدور الأكبر في تحريك عدد محدود من الناخبين، وليس القناعة بجدوى المشاركة.
ويأتي ذلك بينما تتحدث أوساط سياسية وإعلامية عن أن الكرسي البرلماني بات يُشترى بالملايين، إذ تشير تسريبات من داخل الدوائر الانتخابية إلى أن تكلفة الحصول على مقعد في البرلمان تجاوزت 70 مليون جنيه، ما حول العملية الانتخابية إلى مزاد سياسي فاضح، تُحسم نتائجه قبل بدء التصويت.
ورغم التكلفة الضخمة التي أعلن عنها مصدر حكومي — والتي تجاوزت ستة مليارات جنيه لإجراء الانتخابات في الداخل والخارج — فإن كل المؤشرات تؤكد أن النتيجة معروفة مسبقاً لصالح "القائمة الوطنية من أجل مصر"، التي تضم أحزاب السلطة المقربة من السيسي، بعد استبعاد أي قوائم معارضة من المنافسة، في إعادة إنتاج واضحة لمشهد انتخابات 2020.
كما تثير مشاركة أعضاء من هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة في الإشراف على الانتخابات، بدلاً من القضاة، تساؤلات واسعة حول نزاهة العملية الانتخابية، خصوصاً بعد إلغاء الإشراف القضائي الكامل بحلول 2024، وهو ما اعتبرته المعارضة خطوة لتكريس التحكم الكامل من قبل السلطة التنفيذية في نتائج الاقتراع.
وفي ظل هذه الأجواء، يواصل النظام إنفاق المليارات على انتخابات شكلية، فيما تتدهور أوضاع المصريين المعيشية، ويواصل الجنيه انهياره أمام الدولار، لتبقى الحقيقة التي يحاول النظام إخفاءها بعدسات السفارات وبيانات الهيئة أن الشعب لم يعد يؤمن بجدوى صناديق تُدار من فوق، وأن "الانتخابات" في مصر لم تعد سوى مسرحية هابطة.