في خطوة أثارت تساؤلات حول خلفياتها السياسية وتوقيتها، أصدر وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أوامر للجيش بتحويل المنطقة المتاخمة للحدود المصرية إلى "منطقة عسكرية مغلقة"، بزعم مكافحة تهريب الأسلحة عبر الطائرات المسيرة.
وتأتي هذه الخطوة بعد سلسلة تصريحات إسرائيلية توحي بوجود "تنسيق أمني متقدم" مع النظام المصري، ما فُسّر من مراقبين على أنه محاولة لتجميل صورة نظام المنقلب عبد الفتاح السيسي وتلميع دوره الإقليمي، رغم أنه كان من أبرز من دمّر الأنفاق مع غزة وشرّد سكان رفح والعريش تحت ذريعة "محاربة الإرهاب"..
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي: إن "كاتس عقد اجتماعًا مع رئيس جهاز "الشاباك"، ديفيد زيني، ووجّه بتعديل قواعد إطلاق النار في المنطقة الحدودية مع مصر، واعتبار عمليات التهريب عبر المسيرات "تهديدًا إرهابيًا"، مؤكدًا: "نعلن الحرب على التهريب، وكل من يخترق المنطقة المحظورة سيتعرض للأذى>".
وأوضحت الإذاعة أن وزارة الحرب ستكلف مديرية مكافحة الإرهاب وسلاح الجو بتطوير حلول تكنولوجية جديدة لمواجهة ما سمّته "الخطر القادم من الحدود الجنوبية"، فيما يدرس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تعديل التشريعات الخاصة بترخيص الطائرات المسيرة وحيازتها.
وخلال الأشهر الماضية، زعم الجيش الإسرائيلي أكثر من مرة إحباط محاولات تهريب أسلحة عبر الحدود باستخدام طائرات مسيرة، دون أن يحدد مصدر هذه الأسلحة أو الجهة المتلقية لها.
وحتى الآن، لم تصدر القاهرة أي تعليق رسمي على هذه الإجراءات الإسرائيلية الجديدة، رغم مساسها المباشر بالسيادة المصرية.
ويشير مراقبون إلى أن هذا الحراك الإسرائيلي لا يمكن فصله عن محاولات تل أبيب إعادة تسويق نظام السيسي كشريك موثوق في "ضبط الأمن في غزة" بعد الحرب، وإبرازه كجهة مركزية في أي ترتيبات أمنية مستقبلية للقطاع، رغم تاريخه في تدمير الأنفاق وإغلاق المعابر وتشريد الآلاف من أهالي سيناء.
ويرى محللون أن تل أبيب تسعى عبر هذه الرسائل إلى "تحصين" السيسي دوليًا وتقديمه كصمام أمان للحدود الجنوبية، تمهيدًا لمنحه دورًا أكبر في إدارة ملف غزة بعد الحرب، وربما لإبعاد أي نفوذ محتمل لحركة "حماس" أو قوى المقاومة من المشهد الحدودي.
ويأتي هذا التطور في وقت لا يزال فيه وقف إطلاق النار الهش قائمًا بين الاحتلال و"حماس" منذ أكتوبر الماضي، بينما تواصل إسرائيل خرقه يوميًا عبر الغارات والقصف، ما أدى إلى استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين وتدمير نحو 90% من البنى التحتية المدنية في القطاع، وفق تقديرات الأمم المتحدة التي قدّرت تكلفة إعادة الإعمار بنحو 70 مليار دولار.
دور أكبر رغم محاولات الاحتلال الإسرائيلي تظهير النظام المصري كـ"شريك أمني فاعل" في مواجهة ما يسميه "تهريب السلاح"، فإن الواقع يشير إلى أن نظام السيسي كان من أكثر الأنظمة تشديدًا على قطاع غزة وخنقًا له، من خلال هدم الأنفاق، وإفراغ رفح والعريش من سكانهما، وتحويل سيناء إلى منطقة عسكرية مغلقة.
السؤال المطروح اليوم: هل تسعى إسرائيل فعلاً إلى تمكين السيسي من لعب الدور الأكبر في غزة، أم أنها توظّفه مؤقتًا لتأمين حدودها الجنوبية وتجميل وجه نظام فقد أوراقه الإقليمية؟