لا تتوقف السلطات المصرية عن تضييق الخناق على معارضيها في الداخل والخارج، ولكن آخر مسلسلات الملاحقة باتت تصل إلى أقارب المعارضين المقيمين بخارج مصر وذويهم.
وفي أكتوبر 2025، اعتُقل أنس حبيب وشقيقه طارق حبيب في فندق بالعاصمة البلجيكية بروكسل، خلال زيارة الرئيس المصري لحضور قمة أوروبية، بعد مزاعم تتعلق بـ"رصد خط سير السيسي" وتصوير مقر إقامته، وهو ما اعتُبر تهديدًا أمنيًا، تم سحب هواتفهما المحمولة للتحقيق، وسط تقارير تشير إلى تنسيق أمني بين بلجيكا ومصر لتقييم التهديدات المحتملة.
ولا تقتصر الملاحقة خارج الحدود على الاعتقال أو المحاكمات الغيابية، بل تشمل أيضا؛ الضغط على الدول المضيفة لطرد أو ترحيل المعارضين واستهداف أفراد الأسرة داخل مصر بالحبس أو التضييق الإداري وتشويه إعلامي ممنهج ضد المعارضين في الخارج.
وقالت منظمات حقوقية إن هذه الممارسات تُعد انتهاكًا واضحًا للمواثيق الدولية، وتثير تساؤلات حول مدى احترام السلطات المصرية لحقوق الإنسان داخل وخارج حدودها.
وفي قصة أنس القاضي التي سجلها عبر حسابه شهادة شخصية مؤثرة عن معاناة طويلة ممتدة ربما إلى الآن، وبها صمود وانكسارات نفسية وعملياتيه؛ حيث بدأت معاناته منذ عام 2014 بسبب استهداف أمني في مصر لشركة سياحية بالشراكة مع اللاعب الشهير والمعارض للانقلاب محمد أبوتريكة، تكرر لاحقًا في 2021.
وأُجبر على إغلاق شركته، وبيع ممتلكاتها بأثمان زهيدة. وعانى من أزمة مالية خانقة، وضغوط نفسية هائلة، وأُبعد عن أسرته، وتهديدات بالترحيل لعائلته.
كما تعرض "القاضي" صاحب الرسالة للسجن، والتحفظ على أمواله، وإغلاق حساباته البنكية، مما أثر على حياته المعيشية بشكل مباشر.
واضطر لمغادرة مصر في ظروف قاسية، تاركًا أسرته، وسافر إلى عدة دول بحثًا عن الأمان والاستقرار وواجه ضغوطًا أمنية في بلد عربي (يعتقد أنه قطر) استقر فيه، حيث طُلب منه المغادرة خلال 3 أيام بسبب "اتفاقات أمنية مع مصر".
وأسس شركة سياحية ناجحة للمرة الرابعة (بعد إغلاق أمني لـ3 تجارب سابقة)، وحقق انتشارًا واسعًا رغم التحديات وقدّم خدمات مجانية، ودرّب الآخرين، وسعى لخلق فرص عمل، لكنه واجه انهيارًا مفاجئًا بعد 18 شهرًا.
وعبر Anas Elkady قال أنس "نتيجة للتنسيقات الأمنية لمصر فى الخارج ولمجرد ان فيه ظابط مجرم.. فى جهاز امنى مجرم.. فى نظام بيحكم مصر مجرم قرر يعمل كده ..ومن ساعتها وأنا من 2014 ع الوضع ده.. بعد ما حدث معي في مصر فى 2014 (بوست سابق في التعليقات) وما حدث فى 2021 ( بوست سابق فى التعليقات) .. سافرت من مصر خلال رحلة صعبه وانتقلت إلى بلد عربى هادئ…أسست شركة سياحية للمره الرابعه.. وبفضل الله تحقق نجاحا وانتشارا مبهرا شهد له الجميع على الرغم من صعوبات كثيره…صنعت فريق عمل متكامل..وقدمت حُسن النية.. كنت اعلّم بدون مقابل.. واسعى لان اكون سببا للرزق بلا كلل .. وبينما انا اواجه مشاكل البدايات وأحاول تجاوزها كانت الصدمه غير المتوقعة نهائيا..اتصلت بى جهه امنيه سياديه فى هذا البلد..وبعد تحقيقات وأسئله عن السياسة المصرية وعلاقتي بأبو تريكه وشركتنا السياحيه فى مصر (أصحاب تورز)، كان القرار : انس ..دلوقتى فيه اتفاقات أمنيه وانت حجر عثره امام علاقتنا مع مصر..(اه والله قال كده بالظبط.. ).. ثم قال : مطلوب منك المغادرة خلال 3 ايام فورا!!!
هنا انقلب كل شيء للمرة الرابعه.. خوف ..قلق..رعب.".
وأضاف، "خرجت خائفا اترقب .. سافرت منفرداً الي 6 دول في ثلاث قارات ..ابحث عن ملجأ .. او ملاذ .. وخلالها تلقيت طعنات فى الظهر وسرقات ولا مبالاة واهمال واخطاء تلو الأخطاء لأفاجأ وخلال اشهر معدوده اننى فى أزمة ماليه ضخمه وعنيفه تفوق قدراتى الماليه بما يقرب من 20 ضعفاً ..لم استسلم.. لم أهرب ".
وتابع: ".. قدر الله نافذ وانهار الحلم بعد 18 شهر تقريباً ….يا لقسوة اغلاق شركه ..يا لقسوة الانطفاء بعد ان كانت علي ملء السمع والبصر ..يا لقسوة رؤية محتوياتها مبعثرة علي الأرض وبيع أثاثها (اون لاين) بأثمان زهيده..!!".
وأوضح أنه تعرض وأسرته، "..على مدار الأحدى عشر سنه الاخيره لسجن وهروب وتحفظ على الاموال وغلق الحسابات البنكية وخسارات وأزمات ماليه طاحنه اثرت على المعيشه والمأكل والمشرب بل وفواتير الكهرباء وما تبع ذلك من ضغط نفسى هائل لا يقوى على تحمله احد….".
 
دعوة أنس في ختام رسالته كانت دعوة صادقة للرحمة، والتعاطف مع من يمرون بظروف قاسية وتحذير من إطلاق الأحكام القاسية أو الظنون الجارحة دون معرفة الحقيقة ضمن رسالتك تحمل قوة نادرة، وتصلح أن تكون مصدر إلهام أو حتى مادة لكتاب أو فيلم وثائقي عن الصمود في وجه القهر.
الباحث والأكاديمي خليل العناني وعبر Khalil Al-Anani أشار إلى أنها حكاية "..مؤلمة وقاسية ومتكررة ولكنها ايضا ملهمة في النهوض وعدم الاستسلام. شخصية عصامية ذكية وبناءة لو وجدت في بلد محترم لكانت نموذجا ملهما للشباب. اسأل الله ان يعوضه خيرا مما اخذ منه وان يحفظه بحفظه الواسع.".
القمع العابر
واشارت تقارير حقوقية متعددة إلى أن السلطات المصرية تمارس ما يُعرف بـ"القمع العابر للحدود"، حيث لا يقتصر التضييق على المعارضين أنفسهم، بل يمتد إلى أقاربهم داخل مصر، وأحيانًا خارجها.
منظمات حقوقية دولية أدانت ما وصفته بـ"القمع العابر للحدود"، في قضية الأكاديمي المصري تقادم الخطيب، الذي حوكم غيابيًا بتهم سياسية رغم إقامته في الخارج، وشملت القضية صحافيين بارزين.
وتقادم الخطيب، أكاديمي وباحث مصري مقيم في ألمانيا منذ عام 2013، وله مساهمات بحثية في قضايا تاريخية وسياسية، أبرزها ملف تيران وصنافير.
وفي أكتوبر 2025، أُحيل غيابيًا إلى المحاكمة الجنائية ضمن القضية رقم 29 لسنة 2025 جنايات التجمع الخامس، إلى جانب 168 متهمًا آخرين، بينهم نشطاء وصحفيون.
وشملت التهم الموجهة له؛ الانضمام إلى جماعة إرهابية والاشتراك في اتفاق جنائي، رغم إقامته خارج مصر وعدم وجود نشاط علني داخلها منذ سنوات.
وأدانت "الأورو-متوسطية" و"مركز الشهاب" هذه الإحالة، واعتبرتها نمطًا من القمع العابر للحدود الذي يستهدف المعارضين في الخارج.
ووثقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تقرير بعنوان "السجن والملاحقة.. ميراث أُسر وأقارب المعارضين المصريين في الخارج والداخل"، شهادات عن حبس واستهداف ذوي المعارضين بسبب نشاطهم السياسي أو الحقوقي.
وفي سبتمبر 2025، نُقل أقارب ثلاثة إعلاميين معارضين مقيمين بالخارج إلى سجن المنيا شديد الحراسة، في خطوة اعتبرتها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان "عقابًا جماعيًا".
من بين الأسماء: زوج شقيقة الإعلامي أحمد سمير، وابن شقيقة زوجة الإعلامي محمد ناصر، وابن شقيق الإعلامي هشام عبد الله.
وبعض المعارضين في الخارج، مثل عبد الرحمن يوسف، تعرضوا للاعتقال أو التضييق في دول عربية بناءً على تنسيق أمني مع السلطات المصرية، وفقًا لتقارير صحفية.
أما الشاعر عبدالرحمن يوسف نجل الشيخ يوسف القرضاوي فكان له نشاط إعلامي وسياسي بارز قبل مغادرته مصر وتعرض لضغوط أمنية في عدة دول عربية، منها استدعاءات أمنية وتهديدات بالترحيل، وفقًا لشهادات منشورة على حساباته الشخصية ومقربين منه. ولم يُحاكم رسميًا داخل مصر حتى الآن، لكن أُدرج اسمه في قوائم الإرهاب سابقًا، مما أثر على حركته وسفره وعلاقاته المهنية.
الباحث محمد عفان Mohammad Affan تناول قمع عابر للحدود من جهات أخرى لمواقف ثورية فأشار إلى أسامة غانم الذي يعرفه منذ طفولته "..نابه وعنده شخصية مبادرة وقيادية .. والده الله يرحمه د.حسام غانم كان استاذا جامعيا محترما وناشطا نقابيا وأخا كبيرا ليه  ..  تواصل معي مؤخرا وعرفت عن نشاطه المناهض لإسرائيل  في جامعته King's College .. وإن ده كلفه فصله من الجامعة والاعتداء عليه وحاليا فيه خطر الغاء إقامته ببريطانيا وترحيله .. ياريت لو حد ممكن يساعد في دعم قضيته يتواصل معايا وانا اوصله بأهله ان شاء الله".
https://www.facebook.com/M.Affan80/posts/pfbid02QAwKjSySuZ4FvSMzTA8GrLProhLVkGSK9g8mCgwXXwTK26843JXYpDGTsWirU6W7l