كشفت صحيفة سراييفو تايمز أن الشرق الأوسط يقف على أعتاب مرحلة حساسة قد تعيد رسم خريطته السياسية والروحية في آنٍ واحد، مشيرة إلى أنه بعد عامين من الحرب المدمرة في غزة، وتصاعد الجدل حول ترتيبات "اليوم التالي"، لم يعد الحديث يدور حول وقف إطلاق النار فقط، بل حول الشكل الذي سيتخذه الوجود الفلسطيني ذاته في المرحلة القادمة.
وقالت الصحيفة في تقرير حول مستقبل حركة حماس في ضوء المتغيرات الجذرية التي تشهدها المنطقة: إن "وثيقة سياسية حديثة، شارك في صياغتها عدد من القادة الإقليميين وشخصيات دينية مؤثرة، شددت على أهمية الاعتراف بالتنوع الديني والحضاري العميق الذي يميز أرض الشرق الأوسط، حيث تتشابك جذور المسيحية والإسلام واليهودية في نسيجٍ واحد من الذاكرة والهوية".
رسالة قوية
وأشارت إلى أن الوثيقة تؤكد أن “احترام الأماكن المقدسة وحماية التراث الثقافي سيبقيان من العناصر الحاسمة في الحفاظ على التعايش السلمي، موضحة أن الوثيقة تضمنت رسالة قوية ضد التطرف، خاصة أن أي مجتمع لا يمكن أن يتقدم إذا ما تمّ تطبيع العنف والعنصرية" .
وأوضحت الصحيفة أن الوثيقة دعت إلى القضاء على الأيديولوجيات التي تهدد نسيج الحياة المدنية، مشددة على أن حلّ النزاعات المستقبلية يجب أن يتم عبر الوسائل الدبلوماسية والمفاوضات، لا بالقوة أو الصراعات الطويلة .
وأكدت أن الشرق الأوسط لا يستطيع أن يتحمل دورة جديدة من الحروب والمفاوضات الفاشلة، وأن الأجيال القادمة تستحق أكثر من إخفاقات الماضي .
موقع غامض
واعتبرت صحيفة سراييفو تايمز أن هذه الوثيقة ليست مجرد بيانٍ رمزي، بل تعكس إدراكًا متزايدًا لدى القوى الإقليمية والدولية بأن استمرار المواجهات العسكرية لم يعد يضمن الأمن ولا يحقق العدالة، بل يعمّق الكراهية ويؤخر فرص بناء سلامٍ حقيقي، غير أن موقع حماس في هذه المعادلة الجديدة يظل غامضًا فى ظل دعم الحكام الخونة للاحتلال الصهيوني على حساب المقاومة الفلسطينية، لافتة إلى أن التوقعات تتراوح بين سيناريوهات متناقضة: من احتوائها سياسيًا ضمن هيكل وطني فلسطيني موحّد، إلى محاولات إقصائها عسكريًا أو تجميد نفوذها في قطاع غزة.
ولفتت إلى أن الحركة تواصل في العلن، التمسك بخطاب المقاومة، مستندة إلى مشاعر الغضب الشعبي من حجم الدمار والمعاناة الإنسانية، لكنها في الواقع تواجه تحديًا وجوديًا معقدًا: فالمعادلة التي قامت عليها منذ عقود – المقاومة مقابل الشرعية – لم تعد قابلة للاستمرار في ظلّ الضغوط الدولية والعربية المتزايدة لإعادة هيكلة المشهد الفلسطيني برمته.
وحذرت الصحيفة من أنه مع تضاؤل الدعم المالي وتقييد قنوات التمويل والاتصال، تبدو قدرة حماس على إعادة تنظيم بنيتها السياسية والعسكرية موضع اختبار صعب.
اليوم التالي في غزة
وأكدت أن النقاش حول "اليوم التالي في غزة" بات يتجاوز حدود الحركة نفسها، مشيرة إلى أن الدول العربية المجاورة، وعلى رأسها مصر والأردن وقطر تسعى لإيجاد توازن بين دعم الشعب الفلسطيني والحفاظ على استقرار الإقليم، بينما تواصل دولة الاحتلال وواشنطن طرح رؤى مختلفة لما يُسمى بـ"نظام ما بعد حماس".
وأوضحت الصحيفة أن بعض الدوائر الصهيونية ترى في تفكيك الحركة هدفًا استراتيجيًا نهائيًا، فيما يحذر آخرون من أن إقصاءها الكامل سيخلق فراغًا سياسيا قد تملؤه جماعات أكثر تطرفًا، وهو سيناريو باتت العواصم الغربية تخشاه بشدة.
مصالحة مشروطة
على الصعيد الفلسطيني الداخلي اعتبرت أن احتمالات المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية تبقى معقدة ومشروطة، فالثقة بين الطرفين تكاد تكون معدومة، مشيرة إلى أن المجتمع الدولي لا يزال مترددًا في التعامل مع حكومة تضمّ الحركة بشكل رسمي، ومع ذلك، فإن أصواتًا داخلية فلسطينية بدأت ترتفع مطالبة بإعادة توحيد الصف تحت راية وطنية واحدة، مدفوعة بإحساس متزايد بأن انقسام غزة والضفة لم يعد مقبولًا أخلاقيًا ولا سياسيًا.
وشددت سراييفو تايمز على أن مستقبل حماس لن يُحدده العامل العسكري وحده، بل موازين القوى الناعمة أيضًا: من الدعم الشعبي، والدبلوماسية الإقليمية، وقدرة الحركة على الانفتاح على خطابٍ جديد لا يُقصي أحدًا.
وقالت: إن "المسألة لم تعد مسألة سلاح فقط، بل مسألة رؤية: هل تستطيع حماس التحول من حركة مقاومة إلى فاعل سياسي شرعي ضمن نظام إقليمي جديد يسعى للتهدئة وإعادة البناء؟ أم أن التاريخ سيعيد نفسه، لتدخل الحركة في دورة جديدة من العزلة والمواجهة؟".