كتب حسن الإسكندراني:
"انتفاضة الخبز" هي انتفاضة ومظاهرات شعبية ضد الغلاء، جرت في أيام 18 و19 يناير 1977 في عدة مدن مصرية رفضا لمشروع ميزانية يرفع الأسعار للعديد من المواد الأساسية.
حيث كان للدكتور عبدالمنعم القيسوني، نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية آنذاك خطاب أمام مجلس الشعب في 17 يناير 1977 بخصوص مشروع الميزانية لذلك العام، أعلن فيه إجراءات تقشفية لتخفيض العجز، وربط هذا بضرورة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتدبير الموارد المالية الإضافية اللازمة.
عرضت "الجزيرة مصر"، اليوم الأربعاء، مشاهد نادرة صورتها وكالة أسوشيتد برس لأحداث انتفاضة الخبز التي اندلعت في مصر 18 و19 يناير 1977؛ حيث أظهرت رد فعل الشارع على الزيادات، وقام المواطنون بالخروج للشوارع حتى استجابت الحكومة وتراجعت عن زيادة الأسعار.
فيما رد الرئيس الراحل أنور السادات عليها بأنها اسم "ثورة الحرامية" وخرج الإعلام الرسمي يتحدث عن "مخطط شيوعي لإحداث بلبلة واضطرابات في مصر وقلب نظام الحكم"، وتم القبض على عدد كبير من النشطاء السياسيين من اليساريين قبل أن تصدر المحكمة حكمها بتبرئتهم.
هل تتكرر؟
في الوقت الذي يستبعد فيه اقتصاديون وباحثون في العلوم السياسية تكرار أحداث يناير 1977 (انتفاضة الخبز)، إلا أن الدلائل تكشف اقترابها بشدة، بعد قيام الحكومة اتخاذ إجراءات إصلاحية وصفت بأنها "مؤلمة"، شملت هذه القرارات رفع أسعار الخبز والسكر والشاي والأرز والبنزين وعدد كبير من السلع الأساسية.في إطار اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي، واعتبروا أن احتمال حدوث احتجاجات غاضبة من الشعب ضد القرارات التي تمس معيشتهم، يظل أمرا وارد الحدوث.
وللعودة للتاريخ فقط رددت مواطنو انتفاضة يناير هتافات شهيرة من بينها "هما بياكلوا حمام وفراخ واحنا الجوع دوخنا وداخ"، و"هما بيلبسوا آخر موضة واحنا بنسكن عشرة في أوضة"، و"سيد مرعي يا سيد بيه.. كيلو اللحمة بقى بجنيه"، و"يا سادات ليه معلش.. كيلو اللحمة بستين قرش".
المواطن المصري اقتصاديًا في السبعينيات.. والآن
كان مرتب خريج الجامعة المتخرج حديثًا عند بداية تعيينه (17 جنيهًا في أول السبعينيات) يشتري 50 كيلوجرامًا من اللحم، أو نحو 45 جرامًا من الذهب، أو 425 كجم من الأرز. وقيمة ذلك الحالية هي أن 50 كيلو جرامًا من اللحم تكلف 4750 جنيهًا. و45 جراما من ذهب تكلف حاليًّا حوالي 27 ألف جنيه وأكثر. أما الأرز فـ425 كجم من الأرز يكلف 3719 جنيهًا تقريبًا.
أما في أواخر السبعينيات، عام 1978م كان مرتب خريج الجامعة الذي عُين بإحدى الوزارات براتب 28 جنيهًا، يشتري 35 كيلو جرامًا من اللحم، أو 560 كيلو جرامًا من الأرز في هذا العام. وهو ما يكلف حاليًا 3150 جنيها لشراء اللحم و4900 جنيه لشراء الأرز.
فمرتب المعينين حديثًا ومن هم في مقتبل حياتهم المعادل لمرتب أوائل السبعينيات -وفقًا لقدرة الأجر الشرائية لسلعتي الأرز واللحوم- هو ما بين 3719 جنيهًا إلى 4750 جنيهًا شهريًا، أما المعادل لفترة أواخر السبعينيات هو ما بين 3150 جنيهًا إلى 4900 جنيه شهريًا، بصرف النظر عن فارق القدرة الشرائية على شراء الذهب.
أما الأجور حاليًا، فعلى سبيل المثال: يحصل الطبيب المتخرج حديثًا على 2000 جنيه فقط، أما أجر المعلم فيتراوح بين 500 جنيه إلى 2000 جنيه.
وبالنظر إلى الحد الأدنى للأجور في مصر نجد أنه 1200 جنيه –والذي لا يطبق على كافة العاملين بالدولة– وهو ما بدأ تطبيق العمل به منذ عام 2014. إضافة إلى ذلك فهناك أكثر من 11,8 مليون مواطن ينفقون شهريًا أقل من 333 جنيهًا وفقًا لمعلومات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، التي أشارت أيضًا إلى أن 27,8% من السكان في مصر فقراء، لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، وتعد هي النسبة الأعلى للفقر منذ عام 2000.
وإن كان البعض يعد من أسباب تفاقم الأزمة في عهد السادات، زيادة معدل البطالة إلى أقصى معدلاته، فإن معدلات البطالة بين الشباب وصلت مؤخرًا إلى نسبة 78% من نسبة العاطلين عن العمل وأعمارهم بين 15 و29 عامًا، وفق تقرير اليونيسيف لعام 2013، وأن 90% من هؤلاء يحملون شهادات جامعية وأكاديمية.
وأظهرت تقارير أخرى –منظمة العمل العربية، والأمم المتحدة– أن معدل البطالة وصل إلى 25% خلال عام 2014.
إيكونوميست: ثورة قادمة
فى المقابل، رأت الأيكونوميست، فى تقرير لها مؤخرا، أن السيسى يخرب مصر ويزيد من القمع وعدم الكفاءة ما يدفعان إلى انتفاضة قادمة". مؤكدة أن الضغوط الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية داخل مصر تتزايد بلا هوادة، ولا يستطيع السيسي أن يوفر لمصر استقرارا مستداما، كما يحتاج النظام السياسي إلى إعادة انفتاح.
واليوم ومع مرور 40 عامًا على أحداث يناير ١٩٧٧ وانتفاضة المصرين ضد الغلاء والقهر والظلم، يعود عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموي بقرارات مماثلة لكنها أكثر وحشية وغلظة على فقراء الوطن.
ويبقى السؤال قائما.. هل من الممكن أن تشهد مصر ثورة شعبية عارمة ربما يصفها البعض بثورة الفقراء أو ثورة الجياع إذا ما قررت حكومة الانقلاب الدموي رفع الدعم عنهم، أم ما رد الفعل المتوقع من المصريين؟