عقب وقف الحرب وبدء تنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإحلال السلام فى المنطقة هلى حد تعبيره يثور التساؤل من يعوض الفلسطينيين عن انهيار القطاع الصحي؟
فبعد عامين على اندلاع معركة «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر 2023، لم يعد القطاع الصحي في غزة مجرد ضحية حرب، بل صار شاهدًا على واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العصر الحديث وجرائم الإبادة التى ارتكبها الاحتلال الصهيونى بدعم من الأمريكان .
قطاع غزة يعانى من انهيار كامل للمنظومة الصحية، مستشفيات مدمرة، أطباء عاشوا تحت القصف، ومرضى يموتون فى صمت، وسط عجز دولي عن اتخاذ أي خطوة فعلية لوقف هذا النزيف الإنساني المستمر.
انهيار كامل
وإذا كان القطاع الصحي في غزة يعانى من هشاشة مزمنة، بفعل الحصار الصهيوني المفروض على القطاع منذ أكثر من 17 عامًا. قبل الحرب، حيث كان هذا القطاع يكابد نقصًا حادًا في المعدات والأدوية والكوادر. إلا أن الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر 2023 لم تترك مجالًا حتى لتلك الإمكانيات المحدودة. فقد تحوّل الضعف إلى شلل تام، ثم إلى انهيار شامل.
فى هذا السياق أكدت منظمة الصحة العالمية، أن 94% من مستشفيات غزة تضررت بشكل مباشر أو غير مباشر، فيما توقفت العديد من المنشآت الطبية عن العمل بسبب القصف أو انقطاع الوقود أو أوامر الإخلاء من جانب جيش الاحتلال الصهيونى .
استهداف منهجي
هذه الحرب من جانب جيش الاحتلال تختلف عن سابقاتها حيث اتبعت نمطا منهجيا لاستهداف القطاع الصحي. إذ تشير تقارير موثوقة إلى أن ما لا يقل عن 697 منشأة صحية تعرضت لهجمات، في حصيلة تعد الأعلى في تاريخ النزاعات الحديثة.
في أكتوبر 2023، استهدف مستشفى المعمداني (الأهلي العربي) في مجزرة شهِدت مقتل أكثر من 500 مدني. وفي نوفمبر 2023، اقتحمت قوات الاحتلال مجمع الشفاء الطبي – أكبر مستشفيات غزة – وسجلت داخله عمليات قتل، وتدمير واسعة النطاق للمرافق الطبية.
كما أن مستشفيات مثل الإندونيسي، والصداقة التركي، وناصر، وغزة الأوروبي تعرضت أيضًا لقصف مباشر أو دُمرت كليًا من جانب قوات الاحتلال الصهيونى .
كذلك، قتل أكثر من 1,590 من الكوادر الطبية، واعتقل 360 آخرين، معظمهم في ظروف غير معروفة.
إبادة صحية
من جانبهم اعتبر خبراء حقوق الإنسان أن ما حدث في قطاع غزة طوال العامين الماضيين تجاوز كونه "أضرار حرب" ليصل إلى حدود "الإبادة الصحية" وهي سياسة ممنهجة لتدمير وسائل الحياة الأساسية للسكان.
وأكد الخبراء أنه فق اتفاقية 1948 لمنع جريمة الإبادة الجماعية، فإن تدمير المستشفيات، ومنع الأدوية، وتجويع المرضى وحرمانهم من الأدوية والمستلزمات الطبية يدخل ضمن الأفعال التي ترقى إلى جرائم إبادة.
فى هذا السياق قال الدكتور منير البرش، مدير عام وزارة الصحة في غزة: نحن لا نعاني من نقص، بل من انعدام شبه كامل للمستلزمات الطبية والأدوية.
وأكد البرش فى تصريحات صحفية أن النظام الصحي انتهى فعليًا، مشيرا إلى أن عدد الوفيات يرتفع يومًا بعد يوم .
واقع مرير
الأرقام الموثقة تترجم هذه المأساة إلى واقع مرير:
أكثر من 300 ألف مريض بأمراض مزمنة مهددون بالموت.
6,758 وفاة بسبب نقص الأدوية فقط.
633 مريضًا توفوا أثناء انتظار التحويلات الطبية.
41% من مرضى الكلى توفوا بسبب نقص الجلسات العلاجية.
64% من أدوية السرطان نفدت بالكامل.
47% من تطعيمات الأطفال الأساسية غير متوفرة.
68% من المستلزمات الجراحية مفقودة.
انتشار أمراض خطيرة مثل متلازمة "غيلان باريه" والتهاب السحايا في ظل غياب أي دواء.
الطواقم الطبية
تعد الكوادر الصحية في غزة خط الدفاع الأخير أمام هذا الانهيار، لكنها كانت بدورها هدفًا مباشرًا لقوات الاحتلال الصهيونى حيث استشهد أكثر من 1300 من العاملين في الإسعاف والإنقاذ، بينما تعرضت سيارات الإسعاف لهجمات متكررة. هذه الاستهدافات تنتهك بشكل صارخ اتفاقيات جنيف، لا سيما المواد 18 و19 من الاتفاقية الرابعة، التي تنص على حماية المنشآت والطواقم الطبية أثناء النزاعات.
محاسبة المسئولين
رغم الإدانات المتكررة من منظمة الصحة العالمية، وأطباء بلا حدود، والأمم المتحدة، إلا أن شيئا لم يتغير على الأرض. فهذه البيانات لم تترجم إلى خطوات عملية لحماية القطاع الصحي أو محاسبة المسئولين عن جرائم الاستهداف.
وأكدت منظمات حقوقية أن هناك فجوة كبيرة بين الخطاب القانوني والتنفيذ الفعلي، وهو ما فتح الباب أمام استمرار الانتهاكات الصهيونية دون رادع .
خسائر فادحة
وحول ما تكبده القطاع الصحى خلال الحرب قال الدكتور ريك بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن خسائر القطاع الصحي في غزة تجاوزت 6.3 مليار دولار، متوقعًا أن تصل الاحتياجات إلى 7 مليارات دولار لتأهيل البنية التحتية وتقديم الخدمات الأساسية.
وكشف بيبركورن فى تصريحات صحفية عن تدمير جزئي أو كلي لـ772 منشأة صحية، من بينها مستشفيات ومراكز رعاية أولية وصيدليات وعيادات أمومة. كما تم فقدان أكثر من 1700 عامل صحي.
الأطفال ضحايا
من جانبها، وصفت منظمة اليونيسف الوضع الصحي للأطفال بأنه "صعب للغاية". وقال سليم عويس، المتحدث الإقليمي باسم اليونسيف، إن انهيار النظام الصحي يترك الأطفال دون لقاحات، ودون مياه نظيفة، وسط انتشار لأمراض خطيرة بسبب تلوث البيئة وانهيار البنية التحتية.