بدأت تسريبات جمال عبد الناصر التي تناولت مواقف الجزائر والرئيس هواري بومدين خلال حرب 1967 بالظهور على نطاق محدود في منتديات ومجموعات مغلقة منذ أوائل عام 2024، لكن لم تحظَ بانتشار واسع أو تغطية إعلامية رسمية في ذلك الوقت.
أما الانتشار العلني والواسع فقد بدأ فعليًا في أبريل 2025، عندما قامت قناة Nasser TV على يوتيوب بنشر تسجيلات صوتية نادرة لعبد الناصر، تتضمن انتقادات صريحة لمواقف بعض الدول العربية، منها الجزائر، وسوريا، والعراق، في أعقاب قبول مصر لمبادرة روجرز بوقف إطلاق النار.
ثم بثت فضائية "القاهرة والناس" (وهي مدعومة إماراتيا) حوارا مع عبدالحكيم جمال عبدالناصر نجل الهالك أكد فيها التسريبات في مايو الماضي.
وفي سبتمبر الجاري، أعادت قناة العربية وغيرها من المنصات الإعلامية الخليجية نشر هذه التسريبات، مع التركيز على ما ورد فيها من انتقادات للجزائر، مما ساهم في تضخيم الجدل السياسي والإعلامي حولها، خاصة في ظل التوترات الإقليمية القائمة.
وشهدت العلاقات بين الجزائر والإمارات خلال عام 2025 مرحلة حساسة من التوترات السياسية والإعلامية، رغم وجود تاريخ طويل من التعاون الاقتصادي والدبلوماسي بين البلدين.
ورغم أن الإمارات تُعد من أكبر المستثمرين العرب في الجزائر، خاصة في قطاعات العقارات والطاقة والسياحة، كما شاركت الجزائر في فعاليات اقتصادية وثقافية نظمتها الإمارات، مثل معرض "إكسبو دبي"، وأبدت رغبة في تعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والصناعات التحويلية.
إلا أن قناة أبوظبي "سكاي نيوز" استضافت تصريحات المؤرخ الجزائري محمد أمين بلغيث الذي وصف الهوية الأمازيغية بأنها "مشروع صهيوني فرنسي"، مما أثار غضبًا واسعًا في الجزائر.
وتم إيداعه الحبس الاحتياطي بتهم تتعلق بـ"المساس بالوحدة الوطنية"، واعتُبر أن الإمارات وفّرت منصة إعلامية لتصريحات تمس السيادة الجزائرية.
واتهم التلفزيون الجزائري الإمارات بأنها "مصنع للفتنة وبث السموم الإيديولوجية"، في تصعيد غير مسبوق. وُصف ما حدث بأنه "تجاوز لكل الخطوط الحمراء"، مما كشف عن توتر دفين في العلاقات.
الحملة متعددة الجوانب
وخلال عام 2025، واجهت الجزائر سلسلة من الهجمات السياسية والإعلامية والدبلوماسية من جهات متعددة، بعضها مباشر وبعضها عبر منظمات أو منصات إعلامية. هذه الهجمات لم تكن معزولة، بل جاءت في سياق إقليمي ودولي متشابك، يعكس موقع الجزائر المستقل في ملفات حساسة.
وهاجم ممثل منظمة موريتانيا في الأمم المتحدة، الجزائر بانتهاك حقوق الإنسان في مخيمات تندوف، خلال جلسة لمجلس حقوق الإنسان، واعتبرت الجزائر ذلك هجومًا مدفوعًا من أطراف خارجية، في إشارة غير مباشرة إلى المغرب أو جهات أوروبية.
كما استمر التراشق الدبلوماسي حول ملف الصحراء الغربية، مع اتهامات متبادلة بشأن دعم الانفصال أو زعزعة الاستقرار ورفضت الجزائر أي وساطة خارج الأمم المتحدة، بينما تتهمها الرباط بتعطيل الحل السياسي.
وفي أبريل الماضي تحفظت الجزائر عن حضور القمة الطارئة في القاهرة بشأن غزة، معتبرة أن التحضير تم دون إشراكها، وصوّر الإعلام الخليجي ذلك كـ"انسحاب غير مبرر"، بينما الجزائر اعتبرته موقفًا سياديًا.
خلافات مدعمة بالتواريخ
وتتبنى الجزائر سياسة خارجية مستقلة، حيث ترفض التطبيع، وتدعم القضية الفلسطينية والبوليساريو، في حين تسعى الإمارات إلى توسيع نفوذها الإقليمي، وتدعم المغرب في ملف الصحراء، وتطبّع مع الكيان.
ويعد التباين في الرؤى حول ملفات مثل ليبيا، والساحل الإفريقي، والتطبيع، والصحراء الغربية هو جوهر الخلاف.
وفي نوفمبر 2020، افتتحت الإمارات قنصلية في مدينة العيون بالصحراء الغربية، واعتبرت الجزائر الخطوة دعمًا مباشرًا للمغرب في نزاع الصحراء، ما أثار تحفظًا دبلوماسيًا شديدًا.
وفي مارس 2021، صدرت تصريحات إعلامية إماراتية تنتقد موقف الجزائر من التطبيع عبر منصات مثل "العربية" و"سكاي نيوز" التي بدأت تروج لخطاب يعتبر رفض الجزائر للتطبيع "انعزالًا سياسيًا"، ما أثار ردودًا جزائرية حادة.
وفي أغسطس 2022، صدرت تقارير عن دعم إماراتي لجماعات مسلحة في الساحل الإفريقي، وعبرت الجزائر عن قلقها من نشاط شركات أمنية خاصة يُعتقد أنها ممولة من الإمارات، وتعمل في مالي والنيجر.
وفي أبريل 2023، جاء انسحاب الجزائر من مناورات عسكرية عربية مشتركة، شاركت فيها الإمارات، احتجاجًا على مشاركة "إسرائيل" كمراقب في بعض الأنشطة.
وفي مايو 2024، أوقفت الجزائر مشروع تجميع طائرات الهليكوبتر بين البلدين، لأسباب "سيادية"، وسط تكهنات بأن القرار جاء بعد تصعيد إعلامي إماراتي حول ملف الصحراء.
إعادة تشكيل الوعي العربي
ومع نشر شبكة الثورة المضادة تسجيلات لعبدالناصر، يبدو أن أن الهدف منها تشويه صورة الجزائر أو إعادة تشكيل الوعي العربي بحسب مراقبين.
ويُمكن القول إن الجزائر تتعرض لضغوط متعددة ومتصاعدة في السنوات الأخيرة، ويُرجّح أن أحد أسباب ذلك هو رفضها القاطع للتطبيع مع كيان العدو، وهو موقف تُصر عليه رسميًا وشعبيًا، ويُميزها عن عدد من الدول العربية التي دخلت في اتفاقيات تطبيع منذ 2020 مثل عاصمة شيطان العرب صاحب الديانة الابراهيمية.
العلاقة مع السيسي
وفي زيارة رسمية للقاهرة، أشاد الرئيس تبون بـ"العلاقات الأخوية الوطيدة" بين البلدين، مؤكدًا أنها "بُنيت على نضال مشترك منذ أكثر من 70 عامًا".، وتعتبر الجزائر شريكًا لمصر اقتصاديًا مهمًا، حيث بلغ حجم الاستيراد الجزائري من مصر نحو مليار دولار، مع رغبة في توسيع التعاون في مجالات مثل الهندسة المعمارية وبناء المدن الجديدة.
وأرسل السيسي رسالة خطية إلى تبون في أبريل 2025، تؤكد تطلع القاهرة لتعزيز التعاون الثنائي، إلا أن امتناع الجزائر عن قمة مارس 2025 والقمة العربية الطارئة في القاهرة، جاء احتجاجًا على ما وصفته بـ"تهميش دورها" في التحضير للقمة، خاصة فيما يتعلق بملف غزة.
الجزائر اعتبرت أن مجموعة محدودة من الدول (القمة السباعية في جدة) احتكرت إعداد مخرجات القمة دون تنسيق مع باقي الدول، مما دفع الرئيس تبون إلى عدم المشاركة شخصيًا.
وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف انتقد تغييب الطرف الفلسطيني عن القمة، واعتبر أن القضية الفلسطينية لا يجب أن تُدار من قبل دول دون غيرها.
وزار بدر عبد العاطي وزير خارجية السيسي الجزائر في أبريل 2025 لتسليم رسالة السيسي مع إشارة إلى العلاقات التاريخية بين البلدين.
وحتى نهاية سبتمبر 2025، لم يصدر رد رسمي مباشر من الحكومة الجزائرية على التسريبات الصوتية المنسوبة للرئيس جمال عبد الناصر، التي انتقد فيها مواقف الجزائر خلال حرب الاستنزاف وقبول مصر بمبادرة روجرز.
إلا أن الإعلام الجزائري تناول الموضوع بحذر، وبعض الصحف المستقلة ناقشت السياق التاريخي دون تبني موقف هجومي أو دفاعي.
بعض المحللين الجزائريين دعوا إلى قراءة التسريبات في إطارها الزمني، مؤكدين أن العلاقات المصرية الجزائرية مرت بمراحل شد وجذب، لكنها ظلت قوية في المجمل.
تسريبات عبدالناصر
وتبنت قناة العبرية الشهيرة باسم "العربية" نشر تسريبات لعبد الناصر قال إن الجزائر اتهمت مصر بـ"الخيانة" بعد قبولها وقف إطلاق النار. وأشار إلى أن الجزائر رفضت إرسال طيارين لدعم مصر، بينما وافق الاتحاد السوفيتي. ووصف المواقف الجزائرية بأنها "مزايدات عربية" تسببت في ضغط نفسي أكثر من الضغط الإسرائيلي.
وتعود التسريبات إلى عام 1970، وقد يرى المسئولون الجزائريون أنها لا تستدعي ردًا دبلوماسيًا مباشرًا.
وفي التسريب يظهر الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر في اتصال مسرب مع الرئيس الموريتاني الأسبق المختار ولد داداه: "إحنا قاتلنا "إسرائيل" وحدنا.. والأخوة في الجزائر يتلككولنا على أي شيء.. ومرة هنا طالب جزائري من طلاب المنحة سأل السادات عن مساعدات الجزائر لمصر في الحرب.. فالسادات رد بالحقيقة: مفيش".
جمال عبدالناصر في تسريب قبل وفاته بأيام: "لم يدفع لنا سوى السعودية والكويت وليبيا.. والجزائر لم تساعدنا بجنيه واحد.. والمزايدون أصبحوا يهاجمون الأردن بدل إسرائيل".
وتحدث جمال عبدالناصر في تسجيل مسرب يتحدث عن غضب الجزائر من إرسال قوات مصرية إلى ليبيا، وحسب ما جاء في قناة العربية عن تسجيلات جمال عبد الناصر :
قال: "طلبنا من الجزائر طيّارين يحاربوا معانا ضد إسرائيل… رفضوا يدوّنا طيّار واحد".
وقال: "الجزائريين بيقولوا عايزين نحرر فلسطين… طب ييجوا يحاربوا هنا، بدل الكلام".
وقال عن موقف إعلام الجزائر: "جرايدهم بتكتب علينا إن إحنا بنفتح كباريهات عشان نلهي الناس عن المعركة".
وقال عن بومدين: "هو الراجل الكويس الوحيد اللي فاضل في الجزائر… لكن مجموعة بوتفليقة دي من أيام بن بلة شعورهم مش طيب".
وقال أيضًا: "الجزائر متفقين مع العراق علينا دلوقتي… بينهم وبين بوتفليقة اتصالات".
وقال عن ليبيا: "أنا بعت قوات لمساندة القذافي ضد المؤامرة… الجزائر اعترضت وقالوا موقف دولي… طب لما بعتنا لكم طيارات ودبابات ضد المغرب ما فكرتوش في الموقف الدولي".
وقال: "قلت للفلسطينيين عايزين حل سلمي لأن فيه مليون ونصف المليون فلسطيني والضفة والقدس وغزة تحت حكم إسرائيل.. أنا إيه حيوديني القدس أو حتى الخليل؟.. هل الجيش العراقي والسوري والأردني يستطيع أن يحرر؟.. قالوا: لا".
ووصف عبد الناصر الجزائر انها (بنت كلب ) ولم تساهم بشيء في الحرب ضد "اسرائيل"
https://x.com/osamashahumi/status/1972409903894483085