مع إعلان حكومة الانقلاب عن ارتفاعات جديدة فى أسعار الوقود والكهرباء والمياه بداية من شهر أكتوبر المقبل خضوعا لإملاءات صندوق النقد والبنك الدولى حذر مواطنون من موجة غلاء جديدة تشمل كل السلع والمنتجات، مؤكدين أن زيادة أسعار المحروقات تشعل أجرة المواصلات وأسعار السلع .
كان مصطى مدبولى رئيس وزراء الانقلاب قد ألمح إلى نية حكومته لزيادة أسعار المحروقات والكهرباء والمياه والغاز فى شهر أكتوبر القادم، وهو ما أثار موجة عارمة من المخاوف بسبب تداعيات هذه الاجراءات المباشرة على حياة المواطنين، خاصةً فى ظل أزمة الغلاء التى أنهكت جيوب الملايين، وفى الوقت الذى يأمل فيه المصريون فى فترة هدوء من ارتفاع الأسعار، تلوح فى الأفق بوادر موجة تضخمية جديدة قد تزيد من أعبائهم المعيشية وتعمق من معاناتهم اليومية.
المواطن العادى لا يرى فى هذا القرار مجرد زيادة فى تكاليف الوقود، بل يدرك أنه سيشعل فتيل موجة غلاء جديدة تطال كل السلع والخدمات، من السلع الغذائية الأساسية وحتى وسائل النقل.
السولار
فى هذا السياق قال أحمد سامى سائق أجرة: كل جنيه زيادة فى سعر السولار يعنى زيادة فى كل شيء، الخضراوات، الفواكه، وحتى أبسط احتياجات البيت، كلها مرتبطة بتكلفة النقل.
وأضاف سامى : اللى بيحصل ده مش مجرد رفع سعر، ده غلاء بيولد غلاء .
وقال عبد الرحمن عيسى، شاب عشرينى : تصريحات حكومة الانقلاب الأخيرة عن رفع أسعار الوقود جعلتنى أشعر بـ«قبضة فى قلبي»، مشيرا إلى أن رفع الأسعار لن يقتصر على البنزين وحده، بل سيمتد أثره إلى كل ما يستهلكه من طعام وشراب ومواصلات.
حلم بعيد المنال
وأضاف عيسى : أعمل فى وظيفتين وربما ثلاث، فقط لأكفى قوت يومى لكن رغم جهدى المضاعف، أصبح من الصعب تحقيق أملى فى تكوين أسرة، مؤكدا أن الزواج «أصبح حلمًا بعيد المنال».
وأشار إلى أنه كان يأمل أن يبدأ رحلة بناء بيت صغير، لكن تأتى موجة الغلاء الأخيرة لتكسر ما تبقى من أحلامه، مؤكدا أنه كان يحاول أن يتمسك بأحلامه لكن حكومة الانقلاب كل فترة تتخد قرارات صعبة تحطم الأمل داخل الشباب.
وتابع عيسى : على حكومة الانقلاب أن تدرك أن حياتنا ما بقتش مستحملة أى زيادات جديدة، موضحا أن هدفه اليوم لم يعد شراء شقة أو تأسيس أسرة، بل مجرد أن «يعرف يعدى يومه» بوجبة تكفيه ومواصلات توصله لعمله.
وشدد على أن الكثير من أصدقائه يعانون من الشعور نفسه، بين ضغوط العمل المتواصل وتكاليف المعيشة التى لا تتوقف عن الصعود، لافتا إلى أن ارتفاع أسعار الوقود ألقى بظلال قاتمة على المستقبل.
وتوقع عيسى أن تسرق موجة الغلاء الجديدة البقية الباقية من أحلام الشباب معربا عن أمله فى أن تتحقق انفراجة اقتصادية قريبًا، قائلًا: «عشمان فى الله إن الخير يعم، وإن الاقتصاد يستقر».
أسعار نار
وأعربت أم محمد، سيدة أربعينية تقيم بالجيزة، عن قلقها من قرارات حكومة الانقلاب برفع أسعار الوقود التى تأتى كإعلان عن بدء موجة غلاء جديدة ستثقل كاهل أسرتها التى تكافح يوميًا لتوفير احتياجاتها الأساسية.
وقالت أم محمد: إحنا ما صدقنا إن الأسعار بدأت تهدى شوية، قامت جات قرارات جديدة بالزيادة فى البنزين. البنزين بيغلى كل حاجة، الأكل والشرب والمواصلات. يعنى كل يوم نصحى على سعر جديد، وإحنا مش عارفين نلاحق على إيه ولا إيه .
وأشارت إلى أنها تعيل أسرة مكونة من خمسة أفراد، وزوجها يعمل باليومية فى أعمال البناء، وهو ما يجعل دخله غير ثابت، موضحة أن «العيال فى مدارس، والمصاريف زادت. حتى الأكل اللى كنا بنشتريه بالكيلو بقينا نجيب منه نص كيلو. الخضار، اللحمة، الزيت.. كله بقى نار».
شعور بالعجز
وكشفت أم محمد عن أن أكثر ما يؤلمها هو شعور العجز أمام طلبات أبنائها قائلة : «ابنى الكبير داخل الجامعة، والبنات فى المدارس، وكل واحد ليه احتياجات. بقينا نحسب كل جنيه قبل ما نصرفه، وبرغم كده الفلوس مش بتكفى».
وشددت على أن قرارات حكومة الانقلاب برفع أسعار الوقود لا تعنى مجرد رقم يُعلن فى نشرات الأخبار، بل تمس حياتها اليومية فى تفاصيلها الصغيرة: المواصلات التى يستخدمها أولادها، أسطوانة الغاز التى تعتمد عليها فى الطهى، وحتى رغيف الخبز الذى ترتفع تكلفته مع ارتفاع تكاليف النقل والإنتاج.
صندوق النقد
كشف الخبير الاقتصادى الدكتور السيد خضر أن تحقيق التوازن بين برنامج صندوق النقد وبين الاستقرار الاجتماعى يمثل التحدى الأكبر، ويشعر العديد من المصريين بأن حكومة الانقلاب تتجاهل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التى يمر بها الشعب.
وأكد «خضر» فى تصريحات صحفية أن قرار رفع الدعم عن الوقود يأتى ضمن اشتراطات صندوق النقد الدولى لصرف الشريحة الأخيرة من القرض المتفق عليه، موضحا أن كل ما يهم حكومة الانقلاب هو الحصول على الشريحة الأخيرة من التمويل، لكن الصندوق فى المقابل يفرض آثارًا سلبية واسعة النطاق على الأسواق الداخلية وحياة المواطنين اليومية.
وأضاف : الوقود يمثل ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد القومى، حيث يدخل فى جميع القطاعات الاقتصادية تقريبًا، بدءًا من النقل والمواصلات وصولًا إلى أسعار السلع الغذائية والاستراتيجية، محذرا من أنه بمجرد رفع أسعار الوقود، ستشهد الأسواق ارتفاعًا فى أجرة المواصلات وأسعار مختلف السلع، ما يضيف أعباء جديدة على المواطن محدود الدخل .
وشدد «خضر» على ضرورة أن تضع دولة العسكر خطة استراتيجية لمواجهة تداعيات هذا القرار، خصوصًا ما يتعلق بمعدلات التضخم ومستوى الأسعار والدخل، موضحا أن هذه المؤشرات الثلاثة مترابطة بشكل وثيق، والتضخم المرتفع يؤدى إلى ارتفاع أسعار السلع، وثبات الدخول يضعف القدرة الشرائية للأفراد، وغياب الرقابة على الأسواق يضاعف من الأعباء .
وتساءل: هل ستتجه دولة العسكر إلى زيادة الدخول ورفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار؟ وهل ستكون هناك رقابة صارمة على الأسواق لضبط أى استغلال من جانب بعض التجار؟، مطالبا دولة العسكر بتحقيق توازن بين الدخول والأسعار، عبر رفع القدرة الإنتاجية المحلية للسلع لتقليل الاعتماد على الواردات، ما يسهم فى زيادة المعروض وتخفيف الضغوط التضخمية.
خطط استراتيجية
وأكد «خضر» أن تعزيز الإنتاج المحلى هو الحل الجذرى لضبط الأسعار وتحقيق استقرار اقتصادى نسبى، لافتا إلى أن أسعار الوقود فى مصر ستظل مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأسواق العالمية، وفى حال ارتفاع أسعار النفط عالميًا، قد تضطر دولة العسكر إلى مواصلة رفع أسعار البنزين محليًا، وهو ما قد يؤدى إلى استمرار الضغوط على الأسواق المحلية والسلع الغذائية.
وأوضح أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى إجراءات جادة من دولة العسكر تشمل: زيادة الدخول ورفع الحد الأدنى للأجور، وتشديد الرقابة على الأسواق، ووضع خطط استراتيجية لخفض التضخم، وتعزيز القدرة الإنتاجية المحلية، قائلًا: لا بد من حلول جذرية لضبط السوق وحماية محدودى الدخل من الأعباء الإضافية المتوقعة خلال الفترة القادمة .