بينما تهتز الصين بأحكام قاسية تصل إلى الإعدام بحق وزراء ومسؤولين كبار أدينوا في قضايا فساد بمئات الملايين، يواصل نظام المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي ترسيخ منظومة فساد واسعة، تحولت إلى قاعدة للحكم وإدارة الدولة.
ففي مصر، لم يعد الفساد حالات فردية، بل صار سياسة ممنهجة؛ حيث جرى تصعيد الدكتور مصطفى مدبولي إلى رئاسة الحكومة، رغم ثبوت تورطه في ملفات فساد مالي كبرى حين كان وزيراً للإسكان، ولم يكن هذا الاستثناء الوحيد، إذ إن علاقاته العسكرية وكون والده عضواً سابقاً في المجلس العسكري كانت جواز مروره إلى قمة السلطة التنفيذية.
الأمر ذاته ينسحب على كامل الوزير، صديق السيسي المقرّب، الذي تعاقب على وزارتي النقل والصناعة، وارتبط اسمه بعمولات مليارية، فضلاً عن تعيينه ما يزيد على ألف مستشار من الجيش داخل وزارة الدفاع، في مشهد يعكس النهب الممنهج للمال العام تحت غطاء "الخدمة العسكرية".
كما لم يتوقف مسلسل الصعود عبر بوابة الولاء والفساد عند ذلك؛ فوزير الصحة الحالي خالد عبد الغفار، الذي تم الدفع به إلى موقع نائب رئيس الوزراء وزيراً للصحة والسكان، كان متهماً بملفات فساد في الجامعات الأهلية، لكنه حظي بالترقية لسبب وحيد، أن والده أحد القادة العسكريين السابقين.
بهذا الشكل ، يكتمل المشهد: شبكة فساد عسكرية ـ بيروقراطية محصنة، يهيمن عليها الجنرالات الذين سيطروا على الاقتصاد، والزراعة، والصناعة، والتعليم، والصحة، حتى غدا الجيش بمثابة "شركة قابضة" تبتلع موارد الدولة وتعيد توزيعها بين الدائرة الضيقة للسلطة.
في المقابل، أظهرت الصين نموذجاً مغايراً؛ حيث حكمت محكمة في إقليم جيلين على وزير الزراعة والشؤون الريفية السابق تانغ رنجيان بالإعدام مع وقف التنفيذ لمدة عامين، بعد إدانته بتلقي رشاوى قيمتها أكثر من 37مليون دولار خلال فترة خدمته.
سبق ذلك إقالته من منصبه وفصله من الحزب الشيوعي، في سياق حملة تطهير صارمة يقودها الرئيس شي جين بينغ منذ عام 2020 داخل أجهزة الدولة لضمان "الولاء والنقاء". المفارقة الصارخة أن ما يعتبر تهديداً وجودياً للحزب في الصين يُعتبر في مصر أساساً للحكم؛ فبينما يواجه المسؤولون الفاسدون في بكين عقوبات تصل إلى الإعدام، يُكافأ الفاسدون في القاهرة بالمناصب العليا، لمجرد أنهم جزء من شبكة الولاءات العسكرية التي تحكم البلاد.