كشف تقرير جديد صادر عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان حجم الانهيار الذي يعيشه البرلمان الانقلابى الحالي (2020 – 2025)، بعدما تحوّل – وفق وصف التقرير – إلى أداة بيد السلطة التنفيذية، يمرر القوانين السلطوية ويهمل دوره الرقابي، في وقت باتت فيه عضوية البرلمان نفسها سلعة تُباع وتشترى بملايين الجنيهات.
برلمان مُباع بالمال والحصانة
منذ تشكيله، كان هذا البرلمان نتاج هندسة كاملة داخل أروقة الأجهزة الأمنية والعسكرية، حيث جرى اختيار أعضائه من رجال أعمال وأصحاب أراضٍ وشخصيات دفعت مبالغ خيالية تصل إلى 50 مليون جنيه للمقعد الواحد. الهدف لم يكن خدمة الناس أو التشريع، بل شراء الحصانة البرلمانية التي تفتح الطريق أمام التهريب والسطو على الأملاك، وتضمن امتيازات من مرتبات ضخمة، وتخصيصات للأراضي والفيلات من دم الشعب المسحوق.
تشريعات لصالح السلطة التنفيذية
يحمل التقرير عنوان "تشريعات سلطوية ورقابة غائبة"، ويوثق أن البرلمان مرّر ما يزيد على 879 قانونًا مقدمة من الحكومة، مقابل 16 مشروع قانون فقط من النواب، وهو ما يعكس هيمنة شبه كاملة للسلطة التنفيذية.
أخطر هذه التشريعات كان قانون الإجراءات الجنائية الجديد وتعديلات قانون مكافحة الإرهاب، التي أعادت العدالة الجنائية عقودًا إلى الوراء، وأتاحت مراقبة الاتصالات وتجميد الأصول وتقنين "التدوير" في الحبس الاحتياطي، بل وشرعنة التقاضي عن بُعد دون ضمانات كافية.
حتى حين اعترض السيسي نفسه على بعض بنود قانون الإجراءات الجنائية وأعاده للبرلمان، كان اعتراضه شكليًا لتجميل الصورة أمام الخارج، بينما بقي جوهر القانون قائمًا على التوسع في صلاحيات الأمن والنيابة وتقليص حقوق المتهمين.
رقابة شكلية وجرائم بلا مساءلة
التقرير أكد أن البرلمان الحالي أهمل تمامًا أدوات الرقابة الفعلية مثل الاستجواب وتقصي الحقائق، ولم يستخدمها في أي من القضايا الكبرى التي هزت الرأي العام.
أبرز الأمثلة:
حادث مقتل 18 فتاة في المنوفية على الطريق الإقليمي، مرّ بلا مساءلة حقيقية.
قضية الباحث الاقتصادي أيمن هدهود، الذي تعرض للاختفاء القسري ثم أُعلن وفاته في ظروف غامضة داخل مستشفى العباسية، لم تتحول إلى تحقيق برلماني جاد، بل جرى التلاعب بها عبر بيانات مضللة من نواب السلطة مثل مصطفى بكري.
الرقابة اقتصرت على "طلبات إحاطة" و"اقتراحات برغبة" حول خدمات محلية، بينما قضايا الحقوق والحريات بقيت خارج أجندة البرلمان.
لجنة حقوق الإنسان.. ديكور بلا مضمون
خصص التقرير مساحة واسعة لتقييم أداء لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، التي وصف نشاطها بالضعيف والمحدود.
اللجنة شاركت فقط في مناقشة خمسة من أصل 15 قانونًا مرتبطًا بحقوق الإنسان، ولم تُحدث أي تعديل جوهري عليها، بل مرّرت قوانين تتعارض مع التزامات مصر الدولية، مثل قانون اللجوء الذي ميّز تعسفيًا بين اللاجئين الشرعيين وغير الشرعيين، ومنح السلطات صلاحيات واسعة لقمعهم.
حتى قانون الإجراءات الجنائية، مرّ عبر اللجنة رغم نصوصه الكارثية التي تشرعن اقتحام المنازل وتفتيشها بلا إذن قضائي، وانتهاك الحق في الخصوصية.
بدلًا من ممارسة الرقابة، انشغلت اللجنة في أنشطة "إعلامية وتوعوية" للرد على الانتقادات الدولية، وزيارات دعائية لأماكن الاحتجاز بالتنسيق مع وزارة الداخلية، لا تحمل أي طابع مفاجئ أو رقابي حقيقي.
برلمان انقلابى معطل
التقرير ختم بدعوة عاجلة لبرلمان جديد يراجع القوانين المقيدة للحقوق والحريات، ويعيد تفعيل أدوات المساءلة مثل الاستجوابات ولجان تقصي الحقائق، ويعيد للجنة حقوق الإنسان دورها الأساسي في حماية الحقوق، لا التغطية على الانتهاكات.
لكن الواقع – كما يبين التقرير – أن البرلمان الحالي ليس سوى واجهة لنظام انقلابي، اشتراه رجال الأعمال والمنتفعون بدماء الشعب الجائع، ليكون في النهاية خادمًا مطيعًا للسلطة التنفيذية، وخصمًا مباشرًا لحقوق المصريين وحرياتهم.