مع اقتراب زيارة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر، هناك حالة من الشد والجذب بين حكومة الانقلاب والصندوق .
حكومة الانقلاب تحاول أن تلمح للصندوق أنها لن تتعاون معه في برامج إصلاح اقتصادي جديدة، وللتأكيد على هذا التوجه طرحت حكومة الانقلاب استراتيجية جديدة، تحت مسمى السردية الوطنية، بهدف توفير رؤية اقتصادية لفترة ما بعد انتهاء برنامج صندوق النقد الحالي تكون قادرة على إغناء البلاد عن اللجوء للمؤسسة الدولية مجددًا.
الاستغناء عن صندوق النقد هي مزاعم تطرحها حكومة الانقلاب، من أجل حث الصندوق على إنهاء المراجعتين الخامسة والسادسة المؤجلتين، والحصول على نحو 3ر2 مليار دولار ضمن الاتفاق التمويلي الموقع بين حكومة الانقلاب والصندوق، لكن حكومة الانقلاب المتورطة في ديون داخلية وخارجية تقدر بالتريليونات والمهددة بالإفلاس لا تستطيع الاستغناء عن الصندوق .
في هذا السياق أكد خبراء أن تحديات التمويل والمشكلات الهيكلية في الاقتصاد قد تقف عقبة أمام الاستغناء عن الصندوق بعد انتهاء البرنامج الحالي.
كانت حكومة الانقلاب قد لجأت لعدة برامج متوالية مع صندوق النقد الدولي منذ عام 2016، تجاوز إجمالي حجم تمويلاتها 20 مليار دولار، مما وضعها ضمن أكبر المقترضين عالميًا من هذه المؤسسة، وسينتهي برنامج الصندوق الحالي الذي بدأ في 2022 في نوفمبر عام 2026.
"وطنية" و"صافي"
ما يؤكد أن حكومة الانقلاب تكذب أنها أعلنت عن تعيين بنوك استثمار ومستشارين قانونيين لعدد 10 شركات، تمهيدًا لطرحها في السوق سواء طرح كلي أو جزئي، وذلك إرضاء لصندوق النقد وتنفيذا لإملاءاته.
شملت قائمة الشركات، بحسب وثيقة رسمية : شركات صافي، وطنية، سيلو فودز، تشيل أوت، ميدور، سيد للأدوية، مصر للأدوية، جبل الزيت، أمل، والشريف.
وقالت مصادر مسئولة: إن "حكومة الانقلاب تستهدف من 2 إلى 3 طروحات في الربع الأخير من العام الجاري، واستكمال باقي الشركات العام المقبل من خلال طرح حصص أو المشاركة في زيادة رأس المال، لزيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص في تلك الشركات".
وأشارت المصادر إلى أن بنك القاهرة يدرس حاليًا موقف طرح حصة أقلية منه في البورصة، لتعزيز رأس المال السوقي وزيادة تدفقات الاستثمار في البورصة.
ورجحت أن تُسرّع حكومة الانقلاب في ملف الطروحات الفترة المقبلة، قبل موعد المراجعتين الخامسة والسادسة لصندوق النقد الدولي.
مشكلات هيكلية
في هذا السياق أكدت مي قابيل باحثة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن التصورات المعلنة من حكومة الانقلاب لا تعالج المشكلات الهيكلية للاقتصاد، ما قد يقف عقبة أمام تحقيق أهدافها .
وقالت مي قابيل في تصريحات صحفية: إن "السردية المعلنة تشبه برنامج الإصلاح الاقتصادي الحالي الذي تطبقه حكومة الانقلاب بموجب تسهيل صندوق النقد الائتماني، ولا يعكس رؤية تنموية حقيقية لأن تغيير مسمى برنامج الإصلاح لسردية لا يعني أنها رؤية جديدة ".
وأشارت إلى أن حديث رئيس وزراء الانقلاب بشأن خفض الدين غالبًا ما يعول على الاعتماد على جذب تدفقات مؤقتة من الخليج، وهو ما لن يمثل علاجًا جذريًا لهذا الملف، مؤكدة أن معدلات الدين عادت للارتفاع مؤخرًا رغم تسلم الانقلاب كافة قيمة صفقة رأس الحكمة من عيال زايد في الإمارات، وبالتالي لا يمكن التعويل على ذلك حتى مع إعلان صفقات جديدة .
وتوقعت مي قابيل لجوء نظام الانقلاب مجددًا للصندوق، في ظل عدم اتباعه لسياسات تعالج المشكلات الهيكلية للاقتصاد تقوم على زيادة الإنتاج وتوفير فرص عمل حقيقية وليست هامشية أو موسمية.
السيناريو الطبيعي
وأكد الخبير المصرفي هاني جنينة أن اللجوء لصندوق النقد في أوقات تفاقم الخلل في ميزان المدفوعات أمر طبيعي، لكن حكومة الانقلاب لجأت للصندوق بشكل متكرر يفوق المعدلات المعتادة.
وقال جنينة في تصريحات صحفية : "السيناريو الطبيعي هو أن تلجأ الدولة للصندوق مرة أو مرتين فقط." مشيرا إلى أن تركيا على سبيل المثال نفذت آخر برنامج لها مع الصندوق في الفترة من 2001 إلى 2003، ثم سددت كامل التزاماتها، ولم تعد إلى الصندوق منذ ذلك الحين، وكذلك كوريا الجنوبية لجأت إلى الصندوق في 1997 ولم تحتج إلى برامج أخرى منذ أكثر من ربع قرن .
وأضاف : ما يجب تجنبه مستقبلًا هو الدخول في برامج إصلاح هيكلي جديدة، إلا إذا واجهنا أزمات طارئة ككوارث طبيعية أو توترات إقليمية حادة .
ولفت جنينة إلى أن توقيت طرح السردية قد يعزز من فرص تنفيذ أهدافها، إذ إنها تأتي بعد عقد من تنفيذ توسعات كبيرة في مشروعات البنية الأساسية، خاصة في مجال النقل والخدمات اللوجستية، ما يعزز من فرص نمو الصناعات والأنشطة المرتبطة بهذه البنية، وفق تعبيره .
وأوضح أن مرونة سعر الصرف التي فرضها برنامج الصندوق تعزز من تنافسية الصادرات المصرية خلال الفترة المقبلة، كما تشجع سياسات الحماية التجارية في الولايات المتحدة ضد شركاء أمريكا التجاريين الكبار على جعل مصر وجهة جذب للاستثمارات الصناعية المصدرة لأمريكا.
تدفقات النقد الأجنبي
وقال الخبير الاقتصادي هاني أبو الفتوح: إن "الاستغناء عن الصندوق خلال الفترة المقبلة أمر صعب ولكنه ممكن، موضحا أن ذلك يرتبط بالأساس بالقدرة على جذب تدفقات مستقرة من النقد الأجنبي، والحفاظ على احتياطات أجنبية قوية، وجذب استثمارات مباشرة كافية لتحفيز النمو الاقتصادي، وأخيرًا القدرة على تغطية فجوة التمويل الخارجية".
وأضاف أبو الفتوح في تصريحات صحفية : "السردية التي تطرحها حكومة الانقلاب تركز على بناء اقتصاد أقوى يعتمد أكثر على نفسه، وهذا قد يفتح للناس فرص عمل أكثر استقرارًا بعيدًا عن تقلبات القروض الخارجية موضحا أن الأهم من الطرح هو التطبيق والتوصل إلى نتائج ".
وحذر من التحديات الجيوسياسية، مثل التوترات الإقليمية، التي قد تضع عراقيل أمام تنفيذ السردية الجديدة.