يبدو أن المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي عازم على استكمال مشروعه الخطير ببيع مصر بالقطعة، من سواحل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، إلى قلب القاهرة التاريخي، مروراً بالمطارات والموانئ والشركات العامة. كل ذلك يجري تحت شعار "الاستثمار والتنمية"، بينما الحقيقة أنه تصفية شاملة لأصول الدولة لصالح دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات، التي تحولت إلى الوكيل الأول لإسرائيل في المنطقة.
ففي اجتماع حكومي حديث، أعلن رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، أن وزارة الطيران المدني بصدد طرح عدد من المطارات المصرية أمام القطاع الخاص للتشغيل والإدارة، سعياً لجمع نحو 3 مليارات دولار فقط بحلول يونيو/حزيران 2026، ضمن برنامج الطروحات المرتبط بشروط صندوق النقد الدولي. السؤال الذي يفرض نفسه: هل يُعقل أن تُباع أصول استراتيجية كالمطارات مقابل فتات، بينما يشكّل امتلاك الأجانب لها خطراً مباشراً على الأمن القومي؟
لم يقف الأمر عند المطارات، بل امتد إلى سواحل البحر الأحمر، حيث وقعت الحكومة عقوداً مع شركتي إعمار الإماراتية وسيتي ستارز السعودية لإقامة مشروع "مراسي البحر الأحمر" باستثمارات تتجاوز 18.5 مليار دولار، على مساحة تفوق 10 ملايين متر مربع. وهو مشهد يعيد للأذهان صفقة بيع مدينة رأس الحكمة للصندوق السيادي الإماراتي العام الماضي مقابل 35 مليار دولار، صفقة أثارت جدلاً واسعاً حول بيع أراضٍ استراتيجية للأجانب.
الأخطر أن مدبولي أعلن صراحة أن الدولة باتت تحتكر كل الأراضي القابلة لإقامة فنادق على ضفاف النيل، استعداداً لطرحها على المستثمرين، بما في ذلك مشاريع في حدائق تلال الفسطاط وقلب القاهرة التاريخي. وهنا يطل مجدداً اسم محمد العبار، مؤسس "إعمار"، معلناً أن وسط القاهرة سيكون أولوية لاستثماراته المقبلة، في محاولة لتحويل المنطقة إلى "داون تاون دبي" جديدة. أي أن التراث المصري العريق يجري تفريغه لصالح نموذج تجاري إماراتي يستبدل الهوية بالتجارة.
هذا التوسع الإماراتي في امتلاك الأصول المصرية منذ 2021 لم يعد مجرد استثمار، بل تحول إلى سيطرة مباشرة على مفاصل الاقتصاد والمشهد العمراني في البلاد. فالمطارات، والموانئ، والسواحل، ووسط العاصمة التاريخي كلها في مرمى البيع، في ظل صمت مؤسسات الدولة التي يفترض أن تحمي الأمن القومي.
ويبرر السيسي ورجاله هذه السياسة بكون السياحة "أسرع وسيلة لجلب العملة الصعبة"، لكن الحقيقة أن النظام لم يقدم نموذجاً لإدارة رشيدة تعود بالنفع على المصريين، بل على العكس: كل هذه الأموال تُهدر لسداد الديون المتفاقمة وتمويل مشروعات فاشلة في العاصمة الإدارية، بينما يُحرم الشعب من عائدها.
من جانبه، لم يُخف رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، مؤسس "إعمار"، نواياه الواضحة، حيث أكد أن وسط القاهرة التاريخي يمثل أولوية لاستثماراته المقبلة، مستهدفاً تحويله إلى نسخة من "داون تاون دبي". وهو نفس السيناريو الذي جرى في صفقة "رأس الحكمة" الشهيرة عام 2024، حينما بيعت المدينة للصندوق السيادي الإماراتي مقابل 35 مليار دولار، وسط ضجة شعبية وغضب وطني عارم.
مخطط ممنهج لتصفية الأصول
منذ 2021، تتسابق الشركات الإماراتية للاستحواذ على المطروح من مشروعات الدولة المصرية، بدءاً من السواحل وحتى وسط البلد ومصر القديمة وجبل المقطم. هذه الخطوات المتسارعة تعكس سياسة منهجية للتفريط في الأصول العامة، مقابل حفنة من الدولارات، يذهب أغلبها لسد فجوات الديون وخدمة القروض التي أغرق بها السيسي البلاد.
أين الأمن القومي؟
تحويل المطارات والموانئ والسواحل والضفاف التاريخية إلى ملكيات أجنبية، ليس مجرد استثمار اقتصادي كما يروج النظام، بل هو تهديد صريح للأمن القومي المصري، إذ يعني تسليم مفاتيح الجغرافيا والاقتصاد والهوية لمستثمرين أجانب، في مقدمتهم الإمارات التي لا تخفي تحالفها الاستراتيجي مع الاحتلال الإسرائيلي.
الواقع أن ما يجري ليس "تنمية سياحية" كما يدّعي السيسي وحكومته، بل تفكيك منظم للدولة المصرية وبيعها بالقطعة، حتى لم يتبقَ للمصريين سوى الديون والفقر والمعاناة.
الخلاصة أن ما يجري ليس مجرد "استثمارات"، بل عملية بيع ممنهج لمقدرات مصر، تُحوّل الدولة إلى عقار معروض في مزاد علني لصالح حلفاء السيسي الخليجيين، وبالأخص الإمارات التي تلعب دور الوكيل الإسرائيلي. والسؤال الكبير: إذا كان الأمن القومي لا يتأثر ببيع المطارات والموانئ وضفاف النيل ووسط القاهرة للأجانب، فمتى يتأثر إذن؟