بقلم / شريف أيمن
مع لحظة إعلان إطلاق طوفان الأقصى، كان واضحا أن المنطقة أمام حادثة لن يكون ما قبلها كما بعدها، فهناك جُدُر هائلة تحطمت أمام رجال يمتلكون إيمانا وعزما أكثر مما يمتلكون من مُعَدَّات تناسب الحدث، وهذه الجُدُر المحطَّمَة ستحتاج إلى إعادة بناء لتكرار صورة الردع الوهمي الذي تحطم يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وبات وضع التغيرات في المنطقة مرهونا بمن سيفقد القدرة على التحمل أولا. ويبدو أن الفلسطينيين راهنوا على أن تفكك وهشاشة الوضع الصهيوني الداخلي، والضغوط الخارجية -لا سيما العربية- لوقف العدوان المرتقب، سيساهمان في إيقافه في مرحلة مبكرة، وهو ما حدث عقب الهدنة الأولى في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وكان متوقَّعا أن يُمدَّد وقف إطلاق النار ليصير نهائيّا، وهو ما لم يحدث.
تنوَّعت المواقف العربية على مدار الأشهر الاثنين وعشرين، بين ضغوط دبلوماسية علنية على الجانب الصهيوني، أو تجاهل المجزرة لحين انتهاء "المهمة المعلنة للجانب الإسرائيلي، وهي القضاء على المقاومة" وفقا لتصريح السيسي في مؤتمره مع المستشار الألماني في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وأحيانا بمواقف صلبة تخص قضية التهجير، لكن المواقف المجافية للسلوك الصهيوني ظلت سطحية ولا تمس العمق الصهيوني، فلم يشعر بضغط كافٍ يدفعه إلى وقف عدوانه الوحشي غير المسبوق في التاريخ المعاصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
الصفقة المخزية والمتواطئة مع الاحتلال، تأتي في سياق تبدو فيه أمارات على تغيّر الموقف المصري في الآونة الأخيرة من الموقف الفلسطيني، والتوجه نحو الضغط على الفلسطينيين بكثافة أكبر، وتقليل التوجه إلى الاتصالات الدولية مع الأنظمة المخالفة للسياسة الأمريكية، وذلك بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة التي كادت أن تتوج بتوقيع اتفاقية وقف نار مؤقت
استمر الكيان المُعادي في عدوانه لأن العرب أوصلوا رسائل غير علنية بوجوب تدمير الحركات المقاوِمة، فكتب دينيس روس في صحيفة "نيويورك تايمز" في بدايات الحرب أن "إسرائيل ليست الوحيدة التي تعتقد أن عليها هزيمة حماس"، مضيفا "خلال الأسبوعين الماضيين، عندما تحدثت مع مسؤولين عرب في أنحاء مختلفة من المنطقة أعرفهم منذ فترة طويلة، قال لي كل واحد منهم إنه لا بد من تدمير حماس في غزة".
أما الرسائل العلنية "الوقحة" فكانت في جانب عسكري، مثل رسوِّ سفن أسلحة في موانئ عربية، أو مرورها في قناة السويس، أو نقلها في سفن عربية، كما في حالة السفينة السعودية التي فضحها الإيطاليون.
وجانب اقتصادي، نشرته صفحة "إسرائيل بالعربية" في شباط/ فبراير الماضي، فذكرت الصفحة: "وفقا للبيانات الإسرائيلية، بلغ حجم التبادل التجاري الاسرائيلي مع الدول العربية الخمس الرئيسة (مصر، والأردن، والإمارات، والمغرب، والبحرين) 4.524 مليار دولار في العام الماضي، ما يعني زيادة بنسبة 15 في المئة عن العام السابق. وشهدت هذه التجارة نموّا مستمرّا منذ عام 2020، تصدرت الإمارات القائمة بتجارة بلغت 3.2 مليار دولار، تليها مصر (579 مليون دولار حسب البيانات الاسرائيلية، لكن البيانات المصرية تشير إلى 2.672 مليار دولار بسبب واردات الغاز الطبيعي). كما زادت تجارة البحرين بنسبة 843 في المئة، والمغرب بنسبة 39 في المئة. وتشير البيانات إلى وجود تجارة غير معلنة مع دول عربية وإسلامية أخرى، بقيمة 14.7 مليار دولار".
والسطر الأخير شديد الدلالة على مدى الانحطاط الذي وصل إليه قادة دول عربية وإسلامية يقيمون تجارات سرية مع الاحتلال، ما يؤدي إلى دعم اقتصاده، في الوقت الذي يدمِّر فيه أقوات وحياة الفلسطينيين ومستقبلهم لسنوات قادمة. وجدير بالذكر أن هذا التقرير صدر قبل أشهر من توقيع نظام السيسي اتفاقية توريد غاز -تسرقه دولة الاحتلال- بلغت قيمتها 35 مليار دولار، وفيما يبدو أن السيسي يريد منافسة الإمارات في نيل الرضا الصهيو-أمريكي.
هذه الصفقة المخزية والمتواطئة مع الاحتلال، تأتي في سياق تبدو فيه أمارات على تغيّر الموقف المصري في الآونة الأخيرة من الموقف الفلسطيني، والتوجه نحو الضغط على الفلسطينيين ب