في خطوة جديدة ضمن سلسلة طويلة من عمليات الترحيل المثيرة للجدل، أعلن مركز إيواء المهاجرين غير الشرعيين في شرق العاصمة الليبية طرابلس عن ترحيل دفعة جديدة من المهاجرين المصريين إلى بلادهم، بعد استكمال ما وُصف بـ"الإجراءات القانونية والإدارية"، إثر دخولهم البلاد بطرق "غير قانونية"، بحسب السلطات.
وبينما تبرر الجهات الليبية هذه الخطوة بأنها ضمن جهود "مكافحة الهجرة غير النظامية"، تثار تساؤلات ملحة حول دوافع الترحيل المتكررة للمصريين تحديدًا، وفي هذا التوقيت السياسي الحرج، وسط شكوك بوجود تنسيق مباشر بين نظام عبد الفتاح السيسي وقوات خليفة حفتر، يعزز موقع الأخير سياسيًا وعسكريًا على حساب حكومة طرابلس المعترف بها دوليًا.
ترحيل قسري تحت غطاء القانون
البيان الصادر عن مركز الإيواء يشير إلى أن المرحّلين نُقلوا إلى مكتب الترحيل قبل إعادتهم إلى مصر عبر معبر أمساعد الحدودي، وهو المعبر الذي بات، خلال العامين الماضيين، نقطة عبور قسرية لآلاف المصريين ممن اعتقلوا في شرق ليبيا. وترى منظمات حقوقية أن هذه الترحيلات غالبًا ما تُنفذ دون أي تقييم فردي لأوضاع المرحلين أو مراعاة للمعايير الدولية، مثل مبدأ "عدم الإعادة القسرية" المنصوص عليه في اتفاقية 1951.
ومن أبرز الانتقادات ما جاء في بيان منصة اللاجئين في مصر منتصف يوليو/تموز، والتي وثقت ظروفًا "غير إنسانية" للاحتجاز تشمل سوء المعاملة، التعذيب، الحرمان من الغذاء والرعاية الطبية، والاحتجاز التعسفي، فضلًا عن استخدام شاحنات مغلقة لنقل المرحّلين في ظل حرارة الصيف القاسية.
السيسي وحفتر: تقاطع المصالح على حساب المهاجرين
التحليل السياسي لا يمكن فصله عن خلفية الترحيلات، فمنذ سنوات، تدعم القاهرة قوات خليفة حفتر عسكريًا ولوجستيًا، في مواجهة حكومة طرابلس، وتُتهم بتقديم دعم سياسي ضمني لطموحاته في السيطرة على ليبيا. ويأتي ذلك في سياق مساعي القاهرة لتأمين حدودها الغربية، وضبط تدفق الهجرة غير النظامية، ولكن أيضًا لضمان حليف عسكري في شرق ليبيا يخدم توجهاتها الإقليمية.
الترحيلات، بهذا المعنى، لا تبدو فقط استجابة لمخاوف أمنية، بل أقرب إلى صفقة ضمنية؛ حفتر يُظهر "انضباطًا أمنيًا" تجاه المهاجرين المصريين – وهو ما ترحب به القاهرة – مقابل استمرار دعم النظام المصري له في صراعه مع القوى الغربية في البلاد، وتحديدًا مع حكومة طرابلس المدعومة من تركيا.
غياب الشفافية والمحاسبة الدولية
تكرار عمليات الترحيل الجماعي في غياب رقابة دولية يثير المخاوف من تحول شرق ليبيا إلى منطقة خارج سيطرة القانون الدولي، تُدار فيها شؤون الهجرة بما يخدم التوازنات السياسية المحلية والإقليمية، وليس وفق معايير حقوق الإنسان.
ولم تصدر إحصائيات رسمية دقيقة بشأن أعداد المصريين المرحّلين من ليبيا، إلا أن مصادر متقاطعة تشير إلى ترحيل آلاف الأشخاص منذ عام 2024، معظمهم عبر المعبر ذاته.
كما لم يُعرف مصير بعض المرحّلين، في ظل مخاوف من تعرضهم للاختفاء القسري أو استغلالهم من شبكات الاتجار بالبشر، في ظل هشاشة الحدود وضعف الرقابة.
مطالب بالتحقيق والمساءلة
البيانات الحقوقية الصادرة، ومنها بيان منصة اللاجئين، دعت إلى فتح تحقيق عاجل في عمليات الترحيل السابقة، ووقف التنسيق غير القانوني بين سلطات البلدين، بالإضافة إلى مراجعة الدعم الأوروبي لأجهزة حرس الحدود الليبية، والذي يُستخدم – بحسب تقارير – في تنفيذ سياسات قمعية لا تتماشى مع مبادئ حماية اللاجئين والمهاجرين.
خلاصة تحليلية
ترحيل المهاجرين المصريين من شرق ليبيا لا يمكن اعتباره مجرد إجراء قانوني روتيني، بل هو جزء من منظومة أوسع تتداخل فيها السياسة، الأمن، والهجرة، ضمن ترتيبات غير معلنة بين القاهرة وقوات حفتر، ومع استمرار غياب المحاسبة والشفافية، تتزايد المخاوف من أن يتحول ملف المهاجرين إلى ورقة مساومة سياسية تُدفع كلفتها من حقوق الإنسان وكرامة المهاجرين.
هل تُبقي هذه الترحيلات حفتر على خريطة النفوذ الإقليمي؟ وهل تضمن للسيسي سيطرة أكبر على الحدود، أم تفتح الباب أمام فوضى جديدة؟ الأكيد أن المهاجرين وحدهم هم الخاسر الأكبر.