أعلنت إيران أنها قد تغلق مضيق هرمز (الممر المائي الضيق الذي يحمل برميلًا واحدًا من كل خمسة براميل نفط يستخدمها العالم ) إذا تصاعدت الأمور مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ويبلغ عرض المضيق 21 ميلًا فقط في أضيق نقطة فيه، وفي ظل التصعيد العسكري المتواصل بين إيران وإسرائيل، عاد شبح إغلاق مضيق هرمز ليخيم على الأسواق العالمية، وسط تساؤلات عن قدرة طهران على تنفيذ هذا التهديد، وتداعياته على الاقتصاد العالمي.
ويُعد مضيق هرمز أحد أهم الممرات البحرية الاستراتيجية في العالم، ويمر عبره نحو 20 مليون برميل نفط يومياً، أي ما يعادل ثلث تجارة النفط البحرية العالمية، وفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
منصة أمريكية
وعبر موقع منصة الطاقة الأمريكية على الشبكة قال الباحث أنس الحجي: "تاريخيًا، حدثت عرقلة للملاحة، وكانت من أعضاء في الحرس الثوري أو أعوان إيران بالعراق أو اليمن، لكن لم يُغلَق المضيق تاريخيًا على الإطلاق، رغم كل الحروب التي حدثت بالمنطقة، والحرب التي استمرت 8 سنوات بين إيران والعراق".
وعن إمكان عرقلة الملاحة في مضيق هرمز، قال: "نعم، قد تكون هناك عرقلة، ولكنها لن تأتي من الحكومة الإيرانية، بل ستأتي من النظام وأعوانه، لأنه ليس من صالح إيران إغلاق المضيق أو عرقلة الملاحة فيه".
ورأى خبير الطاقة أنس الحجي أن هناك سببين مهمين لعدم توافق مصلحة إيران مع إغلاق مضيق هرمز:
أولًا: 80% من واردات إيران تأتي من المضيق، وتضم أغلب الأشياء التي يأكلها الإيرانيون يوميًا، وكل ما يتعلق بالتقنية أو السيارات أو غيرها.
ثانيًا: الوضع الاقتصادي في إيران سيئ جدًا، والحكومة بحاجة إلى المال بشكل كبير، ومن ثم هي بحاجة إلى الاستمرار في صادرات النفط والمواد البتروكيماوية وبعض المواد الزراعية.
وأشار إلى أن وقف الملاحة في مضيق هرمز أو عرقلتها سيؤثّر في إيرادات الحكومة، ومن ثم لن تستطيع أن تنفق على أجور الموظفين أو حتى على أجور الجيش أو الرواتب أو غيرها، فالأمر مهم من ناحيتَي الاستيراد والتصدير.
وبين أن هناك أمورًا أخرى أهم من ذلك، منها أن أكبر متضرر من إغلاق المضيق أو من عرقلة الملاحة فيه هم أصدقاء إيران، وتحديدًا الصين والهند.
وتابع: "أعطيكم أمثلة بأرقام حقيقية: 83% من صادرات النفط من الخليج تذهب إلى آسيا، وإغلاق مضيق هرمز أو عرقلته سيكون أثره في أوروبا وأميركا ضعيفًا جدًا، ويمكن لأميركا أن تعوّضه بسهولة".
ووفق أنس الحجي- أن 87% من الغاز المسال الخارج من الخليج يذهب إلى آسيا، والكمية القليلة التي تذهب إلى أوروبا يمكن تعويضها بسهولة.
وتابع: "لنتذكر أن الولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط والغاز المسال في العالم، ومن ثم، أيّ عرقلة لمضيق هرمز ستؤثّر في أعوان إيران أو أصدقائها، فالخاسر الأكبر هو إيران وأصدقاؤها، والنتيجة أنه ليس من صالح إيران إغلاق المضيق على الإطلاق".
تهديد استراتيجي
وقدّر خبراء عسكريون أن إيران قد تتّبع تكتيكاً تدريجياً يتضمن:
إعلان حظر الملاحة
تفتيش السفن أو احتجازها
زرع ألغام بحرية
استهداف محدود لناقلات نفط
وأشاروا إلى أن مثل هذه التحركات ستُواجه على الأرجح برد أميركي سريع، قد يعيد الملاحة خلال أيام، وإن بتكلفة عسكرية عالية.
وأظهرت تقارير أن السعودية وحدها تصدّر نحو 6 ملايين برميل يومياً عبر المضيق، تليها دول الخليج الأخرى، أما المستوردون الأساسيون فهم:
الصين
الهند
اليابان
كوريا الجنوبية
وأوضح أن آسيا تعد الأكثر اعتماداً على النفط المار عبر المضيق، حيث تتجه إليها نحو 82% من إجمالي الشحنات، بينما لا تمثل واردات الولايات المتحدة من المضيق أكثر من 11% من وارداتها النفطية.
وفي حالة الإغلاق، فإن الدول الآسيوية — وليس الدول الغربية — ستكون الأكثر تضرراً، وهو ما قد يحدّ من شهية طهران على التصعيد.
وأوضحت الباحثة صوفا خوجاباشي بمعهد المصري للدراسات أن الصين المستفيد الأكبر من النفط الإيراني الرخيص، وهي ليست في موقع يسمح لها بتحمل اضطرابات كبرى في الإمدادات. ويتوقع مراقبون أن تمارس بكين ضغطاً دبلوماسياً واسعاً لثني إيران عن أي خطوة قد تؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط.
وأوضحت أن دول الخليج سعت إلى تطوير خطوط تصدير بديلة تحسّباً لإغلاق المضيق، أبرزها:
السعودية: خط “شرق–غرب” إلى البحر الأحمر (5 ملايين برميل يومياً)
الإمارات: خط أنابيب إلى ميناء الفجيرة على خليج عُمان (1.5 مليون برميل)
إيران: خط “غوره–جاسك” إلى خليج عُمان (يعمل جزئياً)
واستدركت أن هذه الخطوط مجتمعة لا تستطيع تعويض سوى 15% من إجمالي النفط الذي يمر عبر المضيق، ما يجعل الإغلاق — حتى المؤقت — حدثاً هائلاً من حيث التأثير.
وخلصت إلى أن مضيق هرمز ورقة ضغط إستراتيجية بيد إيران، لكنه أيضاً سيف ذو حدين، إذ إن أي تحرك نحو إغلاقه سيؤثر أولاً على الدول الصديقة لطهران قبل خصومها، ويمنح واشنطن ذريعة لتصعيد المواجهة عسكرياً.
ومع ذلك، تبقى زرع الألغام، وتحرشات الزوارق السريعة، واحتجاز السفن أدوات محتملة للضغط دون الانزلاق نحو حرب شاملة، إلا إذا تجاوز التصعيد حدود الردع المتبادل.
وألمح قائد البحرية الإيرانية إلى إمكانية إغلاق المضيق كرد على التصعيد، فيما وصف رئيس الاستخبارات البريطانية السابق، السير أليكس يانجر، هذا الاحتمال بأنه “أسوأ سيناريو ممكن”، محذراً من تأثيره المباشر على أسعار النفط العالمية واستقرار الاقتصاد العالمي.
وبالنظر إلى أن المضيق لا يتجاوز عرضه 40 كيلومتراً في أضيق نقطة، مع ممر ملاحي فعّال لا يتعدى 10 كيلومترات، فإن أي تعطيل عسكري عبر زوارق سريعة، ألغام بحرية، أو صواريخ مضادة للسفن ، قد يؤدي إلى شلل مؤقت في تدفق النفط.
التاريخ يشير إلى أن إيران حاولت خلال الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي تعطيل الملاحة، لكنها لم تتمكن من إغلاق المضيق بالكامل. ومع ذلك، نجحت في رفع أقساط التأمين على الشحن البحري وتسببت في فوضى بحرية باهظة الكلفة.