في خُطوة جديدة أثارت جدلاً واسعاً بين أولياء الأمور والخبراء، يستعدُّ مجلس النواب بسلطة الانقلاب العسكري لمناقشة تعديل حكومي على قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981، يقضي بإدخال "شهادة البكالوريا المصرية" كنظام بديل للثانوية العامة، على أن يبدأ تطبيقه اعتباراً من العام الدراسي المُقبل (2025-2026)، ويأتي ذلك في ظل ما يصفه مراقبون بتوجّه رسمي لإعادة هيكلة التعليم وفقاً لإملاءات صندوق النقد الدولي، وتفكيك ما تبقى من مجانية التعليم، المكفولة دستورياً. شهادة البكالوريا: تعديلات جوهرية على حساب تكافؤ الفرص التعديل المُرتقَب يتضمن تطبيق نظام جديد يبدأ من الصف الأول الثانوي، ويعتمد على توزيع الطلاب على أربعة مسارات تخصصية: الطب وعلوم الحياة، والهندسة وعلوم الحاسب، والآداب والفنون، والأعمال، ويتكون النظام من مرحلتين: تمهيدية (الصف الأول) ورئيسية (الثاني والثالث الثانوي)، مع السماح للطالب بدخول الامتحانات مرتين سنوياً مقابل رسوم تصل إلى 500 جنيه للمحاولة الثانية، ما أثار انتقادات واسعة باعتباره إخلالاً بمبدأ تكافؤ الفرص. ويرى خبراء أن هذا النظام سيكرّس التمييز الطبقي في التعليم، حيث سيتمكن الطلاب القادرون مالياً من تحسين درجاتهم عبر فُرص متعددة، بينما يُترك أبناء الطبقات الفقيرة لفرصة واحدة فقط. كما أن فرض رسوم على دخول الامتحان يتعارض بشكل صارخ مع نص المادة 19 من الدستور، التي تضمن مجانية التعليم في جميع مراحله داخل المؤسسات الحكومية. الحكومة تروّج لـ"التحديث"... والمعارضة تحذر من الخصخصة المُقنّعة الحكومة، من جهتها، تبرر التعديل بأنه جزء من خطة تحديث التعليم وربطه باحتياجات سوق العمل المحلي والدولي، عبر تعزيز التعليم التكنولوجي والفني، وإدخال تخصصات كـالذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات في المنهج الدراسي. وأكدت النائبة جيهان بيومي، عضو لجنة التعليم، أن البرلمان سيُجري حواراً مجتمعياً موسعاً مع خبراء التعليم قبل إقرار التعديلات النهائية، مع إمكانية تعديل بعض البنود استجابةً لملاحظات أولياء الأمور. لكن هذه التطمينات لم تخفف من قلق المواطنين الذين خبروا تجارب سابقة لإصلاح التعليم انتهت بتحميل الأسر أعباء مالية ونفسية إضافية، وسط غياب بَنية تحتية مؤهَلَة أو تدريب كافٍ للمعلمين، كما حذّر أعضاء بمجلس الشيوخ من أن النظام الجديد قد يؤدي إلى موجة جديدة من الدروس الخصوصية، بعدما فشلت الحكومة في القضاء عليها في ظل النظام الحالي. ازدواجية مؤقتة... أم تفكيك دائم للمجانية؟ وزارة التعليم قررت تطبيق النظام الجديد بالتوازي مع النظام القديم خلال فترة انتقالية، بدعوى منح الطلاب حرية الاختيار، وهو ما يراه البعض محاولة لامتصاص الغضب الشعبي ودرء شبهة عدم الدستورية، لكنَّ هذه الازدواجية، كما يقول خبراء، قد تكون خطوة تمهيدية لإلغاء نظام الثانوية العامة بالكامل، وتحويل التعليم إلى خدمة مدفوعة تميز القادرين وتقصي غير القادرين. وقد سبق لمجلس الشيوخ رفض مشروع مُشابه عام 2021 لتعديلات على الثانوية العامة، لما يحمله من تبعات على الأعباء المادية للطلاب، لكن التوجّه الرسمي الحالي يبدو أكثر تصميماً على تنفيذ الخطة، بدعم من مؤسسات التمويل الدولية. امتحانات 2025: 813 ألف طالب في انتظار مستقبل غامض في الوقت ذاته، يستعد أكثر من 813 ألف طالب وطالبة لخوض امتحانات الثانوية العامة لهذا العام في 27 محافظة، في ظل حالة من الترقُب والقلق إزاء مصير الشهادة ومستقبل النظام الجديد، وتتضمن الامتحانات أسئلة بنظام "البابل شيت" بنسبة 85%، و15% أسئلة مقالية، في نموذج يمزّج بين النمط القديم والمستحدَث. يبقى السؤال مفتوحاً: هل نحن أمام تطوير حقيقي للتعليم يراعي العدالة والشفافية، أم أن ما يجري هو تفكيك ممنهج للمجانية وتقنين لخصخصة التعليم، ضمن سلسلة من الإجراءات التي قلّصت كثيراً من امتيازات المصريين باسم الإصلاح؟.