في واحدة من أكثر الجرائم المأساوية التي هزّت وجدان المجتمع المصري، أسدلت محكمة النقض اليوم الأحد الستار على قضية الطالبة الجامعية نورهان خليل، المعروفة إعلامياً بـ"قاتلة والدتها في بورسعيد"، بتأييد حكم الإعدام الصادر بحقها ورفض الطعن المقدم من دفاعها، لتنتهي بذلك مرحلة طويلة من الجدل القانوني والإنساني الذي أحاط بالقضية منذ لحظاتها الأولى. جريمة تهز الرأي العام وسط فراغ قِيمي متصاعد ورغم بشاعة الجريمة التي وقعت في ديسمبر 2022، والتي شاركت فيها نورهان بمعاونة فتى يبلغ من العمر 15 عاماً كان على علاقة بها، فإن خلفيات هذه الجريمة لا يمكن فصلها عن السياق المجتمعي الأوسع الذي تشهده مصر منذ سنوات، والمتمثل في تصاعد غير مسبوق في معدلات العنف، والانهيار الأخلاقي، وغياب التماسك القِيمي، وهو ما أشار إليه المحامي خالد المصري، واصفاً الواقعة بأنها "نذير شؤم اجتماعي" أكثر من كونها حادثاً فردياً. غياب الإرشاد الديني والإعلام التوعوي ويعزو كثير من المراقبين هذا التدهور في السلوك المجتمعي إلى تغييب متعمد لدور المساجد والإرشاد الديني، بعد أن عمدت وزارة الأوقاف، منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي على أول رئيس مدني منتخب الدكتور محمد مرسي في 2013، إلى تجفيف منابع الدعوة، عبر منع الدروس الدينية، وإغلاق حلقات العلم، واعتقال المئات من الدعاة والخطباء المؤثرين. وفي الوقت ذاته، غاب الدور التوعوي للإعلام الذي كان من الممكن أن يسهم في ترميم المنظومة القيمية، ليتحول إلى أداة لتلميع النظام السياسي وتبرير سياساته، بدلاً من معالجة ظواهر اجتماعية خطيرة مثل العنف الأسري، والانحلال الأخلاقي، والجرائم الأسرية. دراسات ترصد تصاعد العنف المجتمعي وتشير دراسات متعددة إلى تصاعد وتيرة العنف في المجتمع المصري خلال السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة، فقد كشف المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، في أكثر من تقرير، عن تزايد معدلات الجرائم الأسرية والقتل العمد، خاصة في الفئة العمرية ما بين 15 إلى 25 عاماً، ما يعكس انهياراً في منظومة التنشئة وانعدام الرقابة الأسرية والمؤسسية. كما رصدت دراسة صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن أغلب الجرائم الأسرية ترتكب بدوافع نفسية واقتصادية واجتماعية، يتفاقم تأثيرها في ظل غياب خطاب ديني عقلاني وإعلام تنويري يعالج الأزمات بدلاً من تسطيحها أو تجاهلها. حين يدفع المجتمع ثمن تغييب الوعي قضية نورهان خليل، رغم قسوتها، ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من الجرائم التي تكشف أن العنف لم يعد طارئاً على الواقع المصري، بل نتيجة مباشرة لتغييب الوعي، وتآكل القيم، وانسحاب مؤسسات التربية والتوجيه من المشهد، وما لم يُعاد الاعتبار لدور المساجد، والتعليم، والإعلام في بناء الإنسان، فإننا أمام مستقبل محفوف بالمخاطر الاجتماعية والأخلاقية.