المفاوضات المباشرة والخروج من مأزق ما بعد الحرب

- ‎فيمقالات

عادل الأنصاري

جاءت نتائج القمة العربية الأخيرة، المعنية بدراسة مرحلة ما بعد الحرب على غزة، لترسّخ حالة الارتباك الشديد التي تخيّم على المشهد بشكل واضح، نتيجة العجز عن إيجاد حلول مناسبة وواقعية وقابلة للتنفيذ للتعامل مع إدارة القطاع خلال المرحلة القادمة. وقد كانت هذه النتائج بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى البدء في مفاوضات مباشرة مع حركة حماس، وفقًا لما نشره موقع “إكسيوس”.

والحقيقة التي باتت تفرض نفسها اليوم هي أن الرفض الواضح من المقاومة وحاضنتها الشعبية في غزة، بالإضافة إلى الرفض القاطع من الرأي العام العربي والإسلامي لفكرة المساس بسلاح المقاومة أو التعاطي معها، جعل جميع الأفكار والمحاولات الرامية إلى تحديد مصير القطاع بعد الحرب غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، إلا إذا كانت تتسق مع موازين القوى على الأرض وتنسجم مع مطالب الشعب الفلسطيني.

وقد كانت محاولات البحث عن مخرج لحل معضلة مرحلة ما بعد الحرب وما زالت هاجسًا أمريكيًا، حيث سجّلت الوقائع والأحداث العديد من الخطط التي باءت بالفشل أمام صمود المقاومة وثبات أهل غزة على أرضهم، ورفضهم القاطع لتركها، مع تمسّكهم الكامل بالمقاومة كخيار استراتيجي وحق مشروع للحصول على الاستقلال الكامل والحرية.

وشهدت الأحداث محاولات عدة لإيجاد حلول بديلة لمعضلة إدارة القطاع، لكنها وصلت إلى طريق مسدود، وكان من أبرزها:

  • بناء الولايات المتحدة ميناءً متحركًا في غزة بهدف فتح باب التهجير عبر قبرص اليونانية، إلا أن المشروع فشل بشكل ذريع بعد الخسائر التي مُني بها الأمريكيون، وسط مخاوفهم من التورط في البقاء المباشر داخل القطاع.
  • خطة اقترحتها مصر وقطر – وفقًا لموقع “مدى مصر” – تقضي بوضع صواريخ “حماس” تحت إشراف لجنة مراقبة مصرية قطرية مشتركة خلال وقف إطلاق النار لمدة تتراوح بين 10 و20 عامًا، إلا أن الاحتلال رفضها، إذ كان يسعى إلى القضاء الكامل على سلاح المقاومة، وليس الاكتفاء بالسيطرة عليه.
  • مقترح تقدّمت به بعض الدول العربية للولايات المتحدة في نوفمبر 2023 يقضي بتولي هذه الدول مسئولية الأمن في غزة، إلا أن واشنطن اشترطت للموافقة على هذا الاقتراح تشكيل قوة مشتركة تضم مصر والأردن والإمارات والمغرب وإندونيسيا لتأمين القطاع، لكن المخاوف من التورط في وجود عسكري بري دفعت مقدّمي الاقتراح إلى التراجع عنه.
  • مقترح آخر قدّمته إدارة بايدن في عام 2023، يقوم على أن يقود ضابط عسكري أمريكي قوة دولية مشتركة، لكن الولايات المتحدة لم تجد من يوافق على الانضمام إليها سوى الإمارات. لاحقًا، تم تطوير الفكرة بمقترح آخر يقضي بتسليم القطاع لحلف الناتو، إلا أن الفكرة واجهت العراقيل نفسها.
  • الخطة المصرية الأخيرة، التي ارتكزت على استبعاد المقاومة من إدارة الشئون السياسية والإدارية والعسكرية في غزة، والتعهّد بعدم استخدام أسلحتها، ووضعها تحت إشراف لجنة مراقبة عربية مشتركة، مع تشكيل لجنة مشتركة من العائلات الفلسطينية لإدارة القطاع، مقابل تمويل خليجي لإعادة الإعمار. لكن الاحتلال الإسرائيلي رفض الخطة وأصرّ على نزع سلاح المقاومة بالكامل.

وربما كان لفشل جميع المحاولات السابقة دور فاعل في دفع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ قرار التفاوض المباشر مع المقاومة، خاصة بعد فشل مخرجات القمة العربية في التوصل إلى حلول قابلة للتنفيذ. وهذا بدوره يترك أثرًا واضحًا على دور الوسطاء الآخرين في المرحلة القادمة، ويضعف كثيرًا من تأثيرهم في أي مفاوضات مستقبلية.