التهجير والمقاومة.. وتحرير المصطلح

- ‎فيمقالات

بقلم /عادل الأنصاري

 

يتزايد خلال الفترة الأخيرة الحديث عن رفض خطط التهجير التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل مبتذل، بعيدًا عن كافة الأعراف الدبلوماسية أو السياسية، وما تبع ذلك من تداعي المواقف الرسمية لأغلب الدول العربية، إضافة إلى الروافع الشعبية الوازنة لرفض الفكرة.

إلا أن الواقع يؤكد أن أغلب ما ورد من رفض رسمي جاء مجملًا بلا تفصيل، وعامًّا بلا تخصيص، مما يدفع إلى ضرورة الوقوف على ماهية المصطلح، وفهم سياقاته، وإدراك أبعاده، وبواعث رفضه لدى كل من عارضه.

والحقيقة أن رفض التهجير هو جانب من مكوّن شامل لا يمكن فهمه بمعزل عن سياقاته، أو منفصلًا عن بقية مكوناته ومشتملاته، فالتهجير هو فرع من حالة احتلال كاملة للأراضي الفلسطينية، استوجب – وفقًا للشرائع السماوية والقوانين الدولية – حق الدفاع من أجل الاستقلال.

ناهيك عن أن حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه بالجهاد المسلح لإخراج المحتل هو واجب إسلامي، لا يسقط الإثم عن تاركه إلا إذا فعله أو أعدّ له على أقل تقدير، وهو ما يُعرف في التشريع الإسلامي بـ”جهاد الدفع”، حيث إنه إذا وقعت أرض إسلامية في يد عدو، وجب حينها على أهلها أن يقوموا بدفع العدو، فإن عجزوا بعد استفراغ الجهد والطاقة، كان الوجوب على من يلونهم من المسلمين.

ومن هنا، فإن الواجب الشرعي يحتم على أهل فلسطين أن يدافعوا عن أنفسهم بكل الوسائل، دفعًا للإثم، وحفاظًا على حقهم في الحياة الكريمة، أما الهجرة الجماعية في هذه الحالة – إلا في حالات محدودة ترتبط بالضرورة التي تُقدَّر بقدرها – فهي تخلٍّ عن مواجهة المحتل، مما يوقع أهلها في الحرج الشرعي.

ويمتد الحرج الشرعي ليصل إلى الأمة كلها، لا سيما دول الجوار، التي يتوجب عليها تقديم النصرة والعون والإسناد بكافة الاحتياجات التي يتطلبها دفع العدو، وإلا وقعت هي الأخرى في ذات الحرج، كلٌّ حسب ولايته وإمكاناته.

ومن هنا، فإن الفصل بين رفض التهجير من ناحية، ودعم المقاومة من ناحية أخرى، إنما هو فصل تعسفي لا يصلح أن يعبر عن موقف صحيح من التهجير، ولا يمكن أن يُوصف بأنه إسناد للقضية أو حفاظ عليها، بل هو رفض انطلق من منطلقات مجهولة وأسباب مخبوءة.

وبذلك، لا يمكننا وصف أي محاولة رسمية للترويج لرفض التهجير مقابل إجهاض المقاومة، سوى أنها تقع في دائرة الخيانة للقضية، والتفريط في حق أصيل من حقوق الشعب الفلسطيني، ومحاولة فجة للالتفاف على حالة النصر التي حققتها المقاومة في غزة خلال معركة “طوفان الأقصى”، الأمر الذي يستوجب وعيًا جماهيريًّا بخطورة هذه المحاولات الالتفافية، وإبطال مفعولها، وصناعة وعي حقيقي بما يتوجب على الأمة فعله إسنادًا للمقاومة ورفضًا لتهجير الشعب الفلسطيني.