مصطفى عبد السلام يكتب : أسواق العالم تهتز… ركود أم مخاطر جيوسياسية؟

- ‎فيمقالات

 

ثلاثة مفاتيح يمكن أن تفسر الانهيارات التي جرت في البورصات العالمية يوم الاثنين الماضي، الأول تداعيات استشهاد زعيم حركة حماس إسماعيل هنية، وقبله اغتيال فؤاد شكر القيادي في حزب الله، وما رافق الاغتيالين من زيادة مخاطر جيوسياسية، وهروب الأموال الساخنة من أسواق منطقة الشرق الأوسط، والثاني زيادة تهديدات إيران بالانتقام ومعاقبة إسرائيل لمقتل هنية رغم جولات الوساطة وجهود التهدئة المكوكية، وهو ما جعل الأسواق والمستثمرين يعيشون حالة من الترقب الشديد، والثالث زيادة مخاطر ركود الاقتصاد الأميركي وحالة عدم اليقين الاقتصادي في الولايات المتحدة ودول أخرى في ظل البيانات الأخيرة ومنها تباطؤ سوق العمل الأميركي، وتأخر البنك الفيدرالي في خفض سعر الفائدة، وزيادة التضخم لدى اقتصادات كبرى منا ألمانيا ودول منطقة اليورو.

الاثنين الماضي،  لم تفلت سوق أو سلعة من النزيف الحاد والخسائر الكبيرة، كان يوم تهاوي البورصات والأسواق العالمية بامتياز، فقد تعرضت البورصات الكبرى في “وول ستريت” وكبريات مراكز صناعة المال والأعمال حول العالم إلى هزات عنيفة لم تحدث منذ سنوات طويلة، هزات كانت بمثابة “اثنين أسود جديد” بعد أن لمس الجميع أنها الأعنف في تاريخ بعض البورصات، فالأسهم اليابانية هبطت بأكثر من 12.4% لتتعرض لأكبر خسارة يومية في تاريخها، وشهد مؤشر نيكي أسوأ هبوط منذ العام 1987، وانخفضت الأسهم الأوروبية بأكثر من 3% مع خسائر حادة لقطاع التكنولوجيا، وهوت بورصة تل أبيب بنحو 3% مع ترقب دولة الاحتلال الانتقام الإيراني.

وعلى مستوى الشركات العالمية الكبرى ذات المركز المالية القوية والقيم السوقية الضخمة تكبد سهم سوفت بنك أكبر خسارة منذ طرحه للتداول قبل 26 عاما، وتراجع سهم أبل بنحو 7%، كما خسرت شركات التكنولوجيا السبع الكبرى في أميركا قرابة تريليون دولار من قيمتها السوقية.

وشهدت الأسهم الصينية الكورية والأسترالية والعقود الآجلة الأميركية انخفاضا في ختام تعاملاتها اليوم مع تعمق اضطراب الأسواق العالمية.

ولم تفلت البورصات العربية من موجة الانخفاضات حيث شهدت أسواق المال في السعودية والإمارات والكويت وغيرها انخفاضات حادة، وتراجعت بورصة قطر صباح اليوم رغم الكشف عن زيادة الأرباح المجمعة للبنوك القطرية إلى 14.90 مليار ريال وبنسبة 8% بنهاية النصف الأول من العام الجاري 2024، وامتدت التراجعات إلى البورصة المصرية التي واصلت النزيف لليوم الثاني، مع تسجيل الدولار أعلى مستوى له مقابل الجنيه منذ تعويم العملة في مارس الماضي.

ونزفت أسواق الطاقة والمعادن، حيث تراجعت أسعار النفط بشدة، مع اضطراب الأسواق العالمية نتيجة مخاوف تباطؤ الاقتصاد الأميركي، أكثر الدول استهلاكا للنفط، وتراجعت أسعار الغاز في أوروبا، مع تعرض أسواق النفط والأسهم إلى ضغوط بيع حادة في ظل المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية، وتراجعت كذلك أسعار الذهب والفضة والبلاتين والبلاديوم.

وانخفضت أسعار النحاس إلى أدنى مستوياتها منذ أواخر مارس الماضي مع تدهور توقعات الطلب في الصين والولايات المتحدة، وانخفضت أسعار المعادن الأخرى، ومنها الزنك والنيكل.

وفي سوق العملات، تداولت الروبية الهندية عند أدنى مستوى لها على الإطلاق أمام الدولار، مما دفع البنك المركزي الهندي إلى التدخل في سوق الصرف الأجنبي.

وفي سوق العملات الرقمية خسرت بيتكوين نحو 270 مليار دولار من قيمتها السوقية خلال جلسة اليوم، وتراجعت العملة المشفرة الأشهر بنحو 13% لتقترب من 51 ألف دولار، وشهد السوق عمليات تخارج بمئات المليارات من الدولارات خلال الـ24 ساعة الأخيرة، منها نحو 363 مليار دولار من سوق بيتكوين، و346.5 مليار دولار من سوق الإيثريوم.

وببساطة، نزف الجميع بشدة يوم الإثنين وتألم جميع المستثمرين، ومن المتوقع أن يتعمق النزيف مع تنامي المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط، واحتمالية حدوث ركود في الولايات المتحدة، وهو ما تمتد آثاره إلى كل الاقتصادات العالمية كما جرى في العام 2008.