المحتل الغاصب والطاغية المستبد وتشابه أساليب القمع والتضليل

- ‎فيمقالات

محمد عبد الحافظ يكتب:

قطاع غزة المحاصَر والتي يشن عليه الكيان الصهيوني حرب إبادة حقيقية مكتملة الأركان لا ينكرها منصف أو محايد، طغت أخبار الجرائم التي ترتكب فيه يوميا على سواها من أخبار مايحدث في هذا العالم، وتسارعت الأحداث الفظيعة اللاإنسانية فيه، وتوالت فيه الجرائم والمذابح والمآسي، والتصق بعضها ببعض مكانا وزمانا حتى كاد أن يُنسي بعضها بعضا.

وكان من أفظعها وأشدها -وكلها فظيع شديد- ما سمي بـ "مجزرة الطحين"، تلك المجزرة التي ارتكبتها قوات الكيان الصهيوني المجرمة المجردة من كل معاني وقيم الإنسانية مستهدفة فيها جموعا من الجياع المحاصرين الذين لم تصلهم أي مساعدات إنسانية لهم ولا لصغارهم ومرضاهم ومصابيهم منذ ما يربو عن الـ 30 يوما متصلة، وهذا على الرغم من تكدس هذه المساعدات التي تبرعت بها شعوب العالم على بوابات معبر رفحعلى بعد كيلو مترات قليلة!!

اجتمعت جموع الجياع المكلومين هذه عند "دوار النابلسي"في انتظار شاحنات قيل أنها ستصل محملة بأكياس الدقيقالتي هي ثمينة عندهم، إذ قد يكفي الكيس الواحد منها عائلة الواحدِ منهم ليوم كامل أو لأيام، وهو ما لم يتوفر لهم مثله منذ زمن.

 وصلت الشاحنات تحمل تلك الأكياس،وانتظم المنتظرون، وبدأوا يتلقون تلك الأكياس على أكتافهم، وبدأ من تلقى الكيس منهم يولي راجعا إلى من يَعُولليطعمهم.
ولكن دبابات الاحتلال الرابضة غير بعيد عنهم كان لها رأي آخر
بيتته، وقرار آخرأعدت له من قبل، لن تعودوا بأكياس الطحين هذه لصغاركم، أو لن تعودوا لهم أصلا.
إذ صوبت فجأة فوهات أسلحتها، وأطلقت رصاصاتها على هؤلاء العزل الجياع المكلومين الذين أعيتهم أيام الحرب الـ
150 وأضنتهم،فقتل المجرمون منهم 120 أعزلا جائعاوأصابوا المئات فيفعلة غدر وخديعة قل نظيرها، وكانت الإصابات بالرصاص في النصف العلوي من أجسادهم كما قالت تقارير المستشفى الذي وصلوا إليه.

وأنا أصور المشهد هنا وأقصه ليس لبيان بشاعته، فقد شهد العالم كله من الفيديوهات الحية للجثث المتراكمة والإصابات القاتلة التي نتجت عن الهجوم الغادر مالا يحتاج معه إلى كلمات تشرح بشاعة الحدث، وفظاعته، وعدم إنسانيته.
وإنما أصوره لبيان بشاعة ماحدث بعده، وماسأتناوله الآن.
فقد اقشعرت أجساد شعوب وأمم الأرض من ما حدث في هذه المجزرة، وتناولتها وسائل الإعلام العالمية، وندد بها السياسيون من دول العالم المختلفة.
فماذا كان رد هذا الجيش المحتل الغاصب على هذه الأصوات الشاجبة والمستنكرة؟
بعد ارتباك وروايات متضاربة لم يستغرق فيها جيش الاحتلال وقت طويل خرج المتحدث باسمه يقول ما مفاده: "إن جموعا من الغوغاء الفلسطينيين قد هجموا على شاحنات المساعدات، وتدافعوا لينهبوها، فسقط من بينهم قتلى ومصابين"، "وإن جموع الغوغاء هذه قد اقتربت من الدبابات الإسرائيلية بشكل مثل خطرا على هذه الدبابات، التي أطلقت طلقات تحذيرية في الهواء، ثم آثرت أن تنسحب في سلام".
أي أن هؤلاء الفلسطينيين هم من قتلوا وأصابوا أنفسهم!!
هذا هو موقف المحتل المجرم الغاصب، فهل رأيتم افتراءمثل هذا الافتراء المكشوف فيفجاجته، أو هل رأيتم كذبا مثل هذا الكذب في بشاعته، أو هل رأيتم تضليلامثل هذا التضليلفي بجاحته وفجوره؟!

نعم رأينا هذا كله، ورأيتموه في نفس الأسبوع في تزامن ملفت، وتشابه مذهل مثير، في موقف للنظام المستبد المنقلب الطاغية في مصر.
فقد طالعنا في نفس الأسبوع حكما جائرا من قضاة الانقلاب في مصرعلى 7 من قيادات الإخوان المسلمين والرافضين للانقلاب العسكري المحتجين عليه باعتصام سلمي في ميدان رابعة.
فماهي التهمة التي وجهها لهم هذا القضاء الفاسد، ليحكم بإعدامهم؟
التهمة المضحكة المبكية هي أنهم هم من قتلوا الناس في أحداث المنصة.

ولكن ماهي أحداث المنصة تلك؟
هي مجزرة ارتكبتها قوات الانقلاب
في رمضان على هامش اعتصام رابعة العدوية الرافض للانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي، قُتل فيها 200 من مناهضي الانقلاب وأصيب 4500 منهم، أو على أقل التقديرات قُتل 80 شخصا وأصيب 300 حسب تقرير هيئة الطب الشرعي.
وشاهد العالم فيديوهات وصور واضحة وقتها لقوات أمن الانقلاب والبلطجية معا يطلقون النار على المعتصمين، هذا غير 143 فيديو وثقها موقع "ويكي ثورة" بتسلسل الأحداث.
ووقتها اذاعت قنوات الانقلاب وأذرعه الإعلامية على نطاق واسع أوبريت "تسلم الأيادي" الذى أنتجته وأخرجته هيئة الشئون المعنوية بالجيش وشارك فيه 11 مغنيا احتفالا بقتل هؤلاء المعتصمين العزل.
والمفارقة أن أحد
هؤلاء المحكوم عليهم هو الدكتورمحمد البلتاجي الذي قُتلت ابنته أسماء في مجزرة فض اعتصام رابعة، ومنهم أيضا الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الذي قُتل ابنه عمار في مجزرة رمسيس!!
ثم يأتي بعدها قضا
ؤهم الفاجر الظالم المتبجح ليُدين الضحايا ويحكم عليهم بالإعدام، ويتجاهل المجرمين المعروفين في افتراءوتضليل مكشوف!!

فأي تشابه هذا في الفجور والظلم والبجاحة والبشاعة والافتراء والتضليل بين سلوك ذاك المحتل الغاصب وسلوك هذا الطاغية المستبد؟!
ليس مجرد تشابه، بل هو تطابق تام حيث الأهداف واحدة، والسلوك واحد، والجرائم واحدة، ثم الكذب والافتراء واحد.

يدعم ذلك غيره من أوجه تشابه أخرى واضحةبين مجازر غزة التي يرتكبها الاحتلال والمجازر التي ارتكبتها قوات الانقلاب في مصر.

فإذا كان الاحتلال قد قصف المدنيين، وهدم البيوت، وجرف الأحياء والأراضي، واعتقل الآلاف من الفلسطينيين،وهجر مئات الآلاف من مناطق غزة المختلفة،
فإن الانقلاب في مجازره  قد قتل المئاتقنصا بقناصته من على متنالطائراتالمروحية، ودهسا بدبابته، وحرقا بنيرانه، وتقدمت جرافاتُه دباباتَه تجرف الميدان وتزيل خيام المعتصمين بمن فيها، وأشعل النيران في المستشفى الميداني بمن فيه من المصابين، وفي مسجد رابعة بما فيه من الجثث، ثم في الميدان كله ليخفي جرائمه، واعتقل ما يقارب الـ 100 ألفا من مناهضي الانقلاب في أنحاء مصر جميعا،ومارس ضدهم من الانتهاكات مالم يفعله الاحتلال مع أسراه من الفلسطينيين.
كما هج
ّر الانقلاب آلاف المصريين من رفح المصرية والشيخ زويد خدمة لمصالح الكيان الصهيوني.
ثم إن كلاهما مساهم ومتشارك ومتعاون في حصار غزة منذ سنة 2013 وحتى الآن
، وكلاهما له الدور الرئيسي في منع إدخال المساعدات المنقذة الحياة المتراكمة على الجانب المصري من معبر رفح إلى المحاصرين والمجوعين في قطاع غزة.

فما الفرق إذا بين محتل غاصب ومستبد طاغية؟
لا فرق بينهما، فهما وجهان لعملة واحدة، غير أن المحتل أكثر وضوحا، ووجوب مواجهته لا لبس فيها ولا شك، أما الطاغية فقد تُخدع به قطاعات من الشعب  تقف في صفه وتسانده حينا، والتاريخ على ذلك خير شاهد.

‎مقالات ذات صلة