يحدّثني قريبٌ عن أحد شيوخ الباكستان المجاهدين الذين لقيَهم، وكان الشيخ قضى في الجهاد اثنتَي عشرة سنة، وله أخ معه.
يقول:
كان أخي يركض في إثر عدوّه، فسقطت فوقه قذيفة فاستُشهد، وبلغني الخبر..
فكان أشدّ ما نزل عليّ من نازلة في تلك السنين، ومكثت في حزني على أخي ما الله به عليم، ولم أبرح حتى جاءني في المنام فسألته: كيف صنعت؟
فقال: والله ما أدري إلا أني كنتُ راكضا في الدنيا فإذا بشيء قد سقط مني، ثم نظرتُ فإذا بي أركض في الجنة.
فلما التفتُّ وجدت الذي سقط مني هو جسدي..
وما زلتُ في الجنة راكضا.
يمكن للمخيّلة السينمائية أن تصوّر هذا المشهد في الذهن تماما.
بل رأيتُ كيف صنع الناس بالذكاء الاصطناعي تلك المشاهد، من صعود الروح ضاحكًا راكضًا في السماء على صورة الجسد المُلقىٰ في الأرض.
ليس ذاك محض خيال وتسلية، وما هو من مخادعة العزاء والتصبير والمداراة
بل هو الحقّ الذي جاء به النبيّ المجاهد الشـ ـهيد عليه الصلاة والسلام.
استشهد والد جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- في أُحد، فجعل جابر يكشف عن وجه أبيه ويبكي، فينهاه الناس ونبي الله لا ينهاه، ثم جاءت عمته فاطمة رضي الله عنها وأخذت تبكي، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «تبكين أو لا تبكين، ما زالت الملائكة تُظلّه بأجنحتها حتى رفعتموه».
ثم جاء عليه الصلاة والسلام إلى جابر فقال:
«يا جابر ما لي أراك منكسرا؟..
أفلا أبشّرك بما لقي اللهُ به أباك؟
ما كلّم اللهُ أحدا قطّ إلا من وراء حجاب، وإنّ الله أحيا أباك فكلّمه كِفاحا، فقال: يا عبدي تمنّ عليّ أُعطِك، فقال: يا ربّ تُحييني فأُقتَل فيك ثانية…» الحديث.
ثم نزل قوله تعالى: «ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيلِ اللهِ أمواتا بل أحياءٌ عند ربِّهم يُرزَقون».
وكأني بحمزة اليوم عبد الله؛ وكلٌّ كان راكضا في إثر عدوّه
وكأني بوائل اليومَ جابر؛ وكلٌّ يبكي شهيده
إلا أنه ليس فينا نبيّ الله يأتيه فيقول:
يا وائل ما لي أراك منكسرا..
أفلا أبشّرك؟