واصل سعر الدولار بالسوق السوداء في مصر قفزاته القوية وغير المسبوقة خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك بسبب عدد من الأنباء كان أهمها قرار البنك المركزي المصري بشأن نطاق استخدام البطاقات البنكية في التعاملات الدولارية.
هبط الجنيه المصري إلى مستوى تاريخي جديد أمام الدولار الأمريكي وبلغ 50 جنيها لكل دولار في السوق الموازي، فيما سجلت العقود الآجلة للجنيه غير القابلة للتسليم أمام الدولار الأمريكي ارتفاعا ملحوظا خلال الساعات القليلة الماضية بالتزامن مع استمرار خفض تصنيف مصر الائتماني.
وقال متعاملون في السوق الموازي: إن “سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية يشهد هبوطا متسارعا منذ نحو أسبوعين، وارتفع الدولار الأمريكي من مستوى 40 جنيها إلى نحو 50 جنيها؛ بسبب شح المعروض وزيادة الطلب”.
وأشاروا إلى أن “هناك حالة ترقب في السوق الموازي مع استمرار تثبيت سعر الصرف في البنوك الرسمية عند نحو 30.90 جنيها، والفجوة بين الرسمي والموازي بلغت نحو 48% وهو أكبر فرق منذ مدة طويلة، وهو مؤشر على زيادة الفجوة مستقبلا وضرورة تحريك سعر الصرف قريبا”.
وخفضت وكالة “ستاندرد آند بورز” تصنيف مصر الائتماني بالعملات الأجنبية والمحلية إلى “B-” من “B” مع نظرة مستقبلية مستقرة؛ بسبب التأخير المستمر في تنفيذ الإصلاحات النقدية والهيكلية في البلاد، بالإضافة إلى عوامل أخرى.
وأصدر البنك المركزي المصري، الأسبوع الماضي، تعليمات جديدة للبنوك العاملة في البلد بوضع حد أقصى شهري لاستخدام البطاقات الائتمانية وفقا لما يقرره كل بنك، بحسب بيان من البنك المركزي، وهو ما ساهم في ارتفاع الطلب على الدولار بالسوق الموازية خلال الأيام الماضية.
وساهم قرار البنك المركزي المصري بشأن وقف استخدام بطاقات الخصم خارج البلاد في ارتفاع الطلب، حيث أعلن، الأسبوع قبل الماضي، عن توجيهات للبنوك العاملة في مصر بتقييد استخدام بطاقات الخصم المباشر الصادرة بالعملة المحلية للاستخدام داخل حدود مصر فقط.
ومع اقتراب إجراء المراجعتين المؤجلتين بشأن البرنامج التمويلي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي والذي يُتوقع أن يتزامن معها تخفيض سعر الصرف الرسمي للجنيه، بجانب التوترات الجيوسياسية التي اشتعلت بالمنطقة مع استمرار الحرب في قطاع غزة، يحاول البعض التحوط من انخفاض متوقع في قيمة العملة عبر شراء الدولار كملاذ آمن.
وفي السياق ذاته، يشير قرار المركزي المصري الأخير إلى أن مصر ما زالت تعاني من ندرة الموارد الدولارية على الرغم من بيع الدولة لبعض من أصولها الفترة الماضية من أجل تعظيم السيولة الدولارية بالبلاد.
يبدو نظام الانقلاب العسكري في سياسته الاقتصادية الفاشلة، وفي حين كان المخلوع مبارك يتبنى أنصاف الحلول وينتهج سياسة الاحتواء، يسعى السيسي الى فرض إرادته ، نحن نصوِّب مسار الاقتصاد المصري عن طريق اتخاذ اجراءات تضع أساسا حقيقيا لبناء الدولة التي نريدها خلال السنوات القادمة، هذا هو ما صرح به عبد الفتاح السيسي في لقائه مع رؤساء تحرير ثلاث صحف قومية، مضيفا “لو كنا استمرينا على نفس الوضع لمدة عام أو في اثنين لأصبح الموقف أكثر حدة”.
كان العام 2022 قاسيا على الجنيه المصري، التي تراجعت من 15.75 جنيها للدولار بداية العام، إلى 18 جنيها بعد قرار من البنك المركزي بالتعويم الأول في مارس 2022 ليفقد 15% من قيمته، لتصل في مطلع العام الحالي 2023 لأدنى مستوى ويسجل 32 جنيها للدولار، قبل أن يتحسن قليلا إلى 29.6 جنيها للدولار، بعد خضوعه للتعويم 4 مرات خلال الفترة ذاتها.
منذ شهر نوفمبر من العام 2016 ومع موافقة صندوق النقد الدولي على منح مصر قرضا قيمته 12 مليار دولار حينها، تم خفض قيمة العملة المصرية أربع مرّات، على النحو التالي:
في المرة الأولى في نوفمبر 2016 قفز من 8 جنيهات للدولار إلى 19 جنيها، ليستقر بعد ذلك عند مستوى 16 جنيها أمام الدولار.
في مارس 2022، وبعد الحرب في أوكرانيا، تم خفض قيمة الجنيه ليتراجع من مستويات في حدود الـ 16 جنيها أمام الدولار إلى 18 جنيها.
الخفض الثالث كان في شهر أكتوبر الماضي، مع الاعتماد على سعر صرف مرن للجنيه الذي وصل إلى ما بين 22 إلى 24 جنيها للدولار، وبعد الإعلان عن موافقة صندوق النقد منح القاهرة قرضا جديدا.
وفي الشهر الأول من العام الجاري تم خفض قيمة العملة لتصل إلى دون الـ 31 جنيها أمام الدولار.
والأزمة الأخيرة في نقص السيولة الدولارية قد تكون هي الأشد على الحكومة المصرية بعد نزوح نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والتي على أثرها قررت البنوك الكبرى حول العالم وعلى رأسها الفيدرالي الأميركي البدء في مسار تشديد السياسة النقدية “رفع معدلات الفائدة” والتي وصلت في الولايات المتحدة الآن إلى أعلى مستوياتها منذ 2006.
في يونيو الماضي، استبعد السيسي، خفض سعر الجنيه المصري مقابل الدولار، قائلا: إن “كثيرا من الناس يطالبون بمرونة سعر الصرف ونحن مرنون فيه، لكن عندما يتعلق الموضوع بالأمن القومي وأن ذلك سيضيع الشعب المصري.. فلا”.
ويعيش ثلث المصريين تحت خط الفقر، ويحصلون على أقل من 3.50 دولار في اليوم، حيث يحاولون التكيف مع متطلبات الحياة، وعانت الطبقة المتوسطة بشكل أكبر، ومنذ وصول السيسي إلى السلطة، فقد الجنيه المصري 80% من قيمته، وفقد نسبة 50% من قيمته في العام الماضي فقط، بشكل محا توفير المصريين، وأدى ارتفاع أسعار المواد الأساسية مثل الخبز والأرز واللحم، إلى جانب القيود على العملة الأجنبية، لارتفاع أسعار الأدوية وعدم توفر بعضها، وفي الوقت نفسه، يقوم الأثرياء، حسب الروايات بالانتقال إلى المجمعات المسوّرة في ضواحي القاهرة.