قالت مجلة فورين أفيرز: إن “في الوقت الذي تستعد فيه دولة الاحتلال لغزو بري لغزة، تحول الكثير من الاهتمام إلى كيفية رد مصر في الأيام والأسابيع المقبلة، بعد كل شيء، كانت حكومة السيسي طرفا في الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ 16 عاما، حيث فرضت ضوابط مشددة على ما يدخل ويخرج من القطاع عبر معبر رفح الحدودي”.
وأضافت المجلة في تحليل مطول نشرته، أن هذا المعبر يوفر الآن طريق الهروب الوحيد للأشخاص الذين يحاولون الفرار من غزة، ونقطة الوصول الوحيدة للمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها لسكان القطاع المحاصر البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، وقد سمح اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة لبعض الشاحنات التي تحمل مساعدات إنسانية بدخول غزة من مصر وهو أمر غير كاف، نظرا لحجم الأزمة وعدد النازحين، وهناك العديد من الشاحنات الأخرى التي تنتظر على الجانب المصري، ولكن من غير الواضح متى ستوافق سلطات الاحتلال على السماح بدخولها، واعتمادا على حجم الهجوم الإسرائيلي، قد يسعى العديد من الفلسطينيين في غزة إلى الخروج من القطاع عبر رفح، لا يجوز لمصر أن تفتح الباب.
وأوضح التقرير أن الاضطرابات في غزة ليست بالأمر السيئ تماما بالنسبة لنظام عبد الفتاح السيسي، في كثير من النواحي، ستكون حكومته سعيدة برؤية دولة الاحتلال تقضي على حماس، وهي منظمة انبثقت عن جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة الإسلامية التي تعتبر مصدر إزعاج للسيسي، ومع تعثر الاقتصاد المصري، قد يرى السيسي أيضا فرصة للضغط على تخفيف عبء الديون وغيرها من التنازلات من الدول الغربية والمؤسسات الدولية مقابل الموافقة على ممرات المساعدات الإنسانية وتسهيل مغادرة الرعايا الأجانب من غزة.
وأشار التقرير إلى أنه مع تغاضيه عن تدمير حماس من قبل دولة الاحتلال، يتودد السيسي إلى المعارضة في الداخل، فالجمهور المصري غاضب من القصف الإسرائيلي المستمر لغزة والهجوم البري المحتمل في الماضي، كانت الاحتجاجات التي أقرتها الحكومة نيابة عن الفلسطينيين بمثابة فرص للتعبير عن المعارضة الخانقة عادة ضد حكومة السيسي نفسها ويمكنهم القيام بذلك مرة أخرى، لطالما خلط صانعو السياسة الأمريكيين بين النظام والمصالح الوطنية في تعاملهم مع دول الشرق الأوسط، لكنهما منفصلان في الواقع، مثل معظم نظرائها في جميع أنحاء المنطقة، حكومة السيسي هي دولة استبدادية، فهي ليست تمثيلية ولا شعبية في الداخل، وتعطي الأولوية للاستقرار على حساب المساءلة المحلية، ومع ذلك، فإن هذا الافتقار إلى المساءلة قد يقوض الآن حكم السيسي، حيث يزداد خيبة أمل المصريين الغاضبين من حكومة تفقرهم وتفشل في معالجة المحنة اليائسة لجيرانهم.
ذكرى 2011
وقال التقرير: إن “الأوضاع السياسية المشتعلة تتشابه كثيرا لما أعقب الانتفاضات العربية في عام 2011 في ذلك الوقت، كان هناك جهد متضافر وناجح إلى حد كبير للثورة المضادة، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل أساسي، لهزيمة وتدمير قيادة أولئك المرتبطين بالتمردات الإقليمية، كما أصر المحتجون مرارا وتكرارا، متعلقا ب “الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية”، فإن الأنظمة التي كانت مترددة في الاعتراف بمثل هذه المطالب صاغت المعارضة باعتبارها سياسات هوية، لجأت الحكومات المحاصرة إلى الولاءات الطائفية وروابط القرابة لتعزيز الدعم وتشويه سمعة المعارضة.
وفي مصر، اختصرت الانتخابات الرئاسية التي أعقبت الانتفاضة في منافسة بين الجيش وجماعة الإخوان المسلمين، وبحلول ذلك الوقت، لم تكن جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست في مصر عام 1928 كحركة مناهضة للاستعمار تتحدى النفوذ البريطاني، قد كسبت فقط أتباعا قويين في مصر بين معارضي الحكومات العلمانية بعد الاستقلال، بل كانت لها أيضا نفوذ قوي عابر للحدود في جميع أنحاء العالم الإسلامي، مما أدى في كثير من الأحيان إلى ظهور فروع سياسية جامحة من الجزائر إلى الخليج.
وأضاف التقرير أنه في عام 2012، حققت جماعة الإخوان المسلمين، في شخص زعيمها محمد مرسي، انتصارا في الانتخابات الرئاسية الوحيدة المتنازع عليها بحرية في مصر، وعلى الرغم من أنها مثلت رفضا ملحوظا للاستبداد العسكري الذي حكم منذ عام 1952، إلا أن حكومة مرسي أثبتت أنها عديمة الخبرة، ويمكن تقويضها بسهولة من قبل المعارضين في الداخل والخارج، وخاصة في الخليج، حيث كان الخوف من الشعبوية لا يمكن تمييزه عن الشك في الحركات السياسية الإسلامية، وكأنها تعمل على تعزيز هذه الرابطة، وأثبتت حكومة مرسي خلال عامها القصير في السلطة أنها راعية وحامية يقظة بشكل استثنائي لحماس في غزة، ودعا مرسي إلى رفع الحصار الإسرائيلي، وتوسط في وقف إطلاق النار بعد اندلاع الأعمال العدائية مع سلطات الاحتلال في نوفمبر 2012، وفتح معبر رفح إلى سيناء، وعزز التجارة بين مصر وغزة.
وأكد التقرير أن الانقلاب على مرسي في صيف عام 2013 من قبل السيسي، وزير الدفاع آنذاك، والمذبحة اللاحقة التي راح ضحيتها أكثر من 900 من أنصار مرسي احتجاجا على ما اعتبروه انقلابا غير شرعي، لم يكن مجرد زوال حكم الإخوان المسلمين، ولكن نهاية الحكومة الوحيدة المنتخبة شعبيا في التاريخ المصري.
وأوضح التقرير أن السيسي كان مدعوما في انقلابه من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، واعتمد على الدعم المالي والتشغيلي من تلك الحكومات في توطيد سلطته لاحقا، كانت هذه بداية جهد استمر عقدا من الزمن، قاده الإماراتيون وسرعان ما انضم إليه محمد بن سلمان، ولي العهد الشاب والطموح للمملكة العربية السعودية، لتدمير جماعة الإخوان المسلمين وجميع الأحزاب والحركات السياسية والقادة المرتبطين بالسياسة الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة.
بالنسبة لمصر، ترجم هذا المسعى إلى عشرات المليارات من الدولارات من ودائع البنك المركزي واستثمارات غير مقيدة في مشاريع ضخمة على الطراز الخليجي مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وهي مدينة جديدة تماما مصممة لإزالة العمليات الحكومية من وسط القاهرة المزدحم والمعرضة للاحتجاج.
وإجمالا، سمح هذا الدعم للسيسي بتأمين حكمه من خلال المحسوبية، لا سيما من القطاعين العسكري والاستخباراتي، كما شاركت الولايات المتحدة في الحملة المناهضة للإسلاميين على مستوى المنطقة، حيث وسعت واشنطن معركتها ضد تنظيم القاعدة لتشمل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية المعروف أيضا ب «داعش» والفروع ذات الصلة، بما في ذلك الجماعات الإسلامية المسلحة على خلاف مع حكومة السيسي في شبه جزيرة سيناء.
فوائد الأزمة
وتابع التقرير، اليوم، تعد حماس واحدة من آخر التجسيدات الحية لجماعة الإخوان المسلمين، وتعتبرها حكومة السيسي فرعا وحليفا لنظام مرسي الذي انقلبت عليه قبل عقد من الزمن، بالنسبة لكل من السيسي ورعاته الخليجيين، لا يمكن إلا الترحيب بتهديد الاحتلال بتدمير حماس، ستقدم لهم دولة الاحتلال معروفا سيكونون ممتنين له حقا، وإن كان بتكتم، وحتى في الوقت الذي غمر فيه المتظاهرون ساحات وساحات العديد من العواصم في العالم العربي، بما في ذلك القاهرة، احتجاجا على الهجوم الإسرائيلي على التجمعات، لم تقدم الحكومات العربية سوى ردود صامتة على إعلان االحتلال الحرب على غزة في 21 أكتوبر، استضافت مصر قمة لمناقشة العنف المتصاعد في غزة، مما أتاح فرصة للقوى الغربية وجيران مصر العرب للتدرب على تصريحات يمكن التنبؤ بها دون تقديم أي التزام بالعمل.
وأردف: “بالنسبة للسيسي، يوفر الغزو الإسرائيلي لغزة فرصا أخرى أيضا، ومن المؤكد أن الضغوط الأمريكية أو الدولية الأخرى على حكومة السيسي لقبول سكان غزة الفارين من القصف الإسرائيلي من غير المرجح أن تسفر عن نتائج، وهذه مسألة مبدأ جزئيا، وكما يوضح مثالان من الأردن ولبنان وكلاهما موطن لأعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، فإن اللاجئين الفلسطينيين لا يستطيعون العودة إلى ديارهم أبدا، وبقدر ما يكون هناك أي التزام متبق في العالم العربي بحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني يعترف بالسيادة الفلسطينية في أي جزء من الأراضي المتنازع عليها، فإنه يتمثل في رفض قبول المزيد من عمليات الطرد، لكن التعنت المصري بشأن اللاجئين الفلسطينيين هو أيضا براغماتي، وقد أدى اعتماد مصر الطويل الأمد على واردات الوقود والغذاء إلى تضخم ديونها الخارجية، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى الحرب في أوكرانيا وجائحة كوفيد-19، وأصبح تأمين المزيد من التمويل الدولي أكثر تكلفة، ولا تزال الإعانات المحلية تستنزف الموارد الحكومية”.
وأكمل:” قد أدت الأزمة الاقتصادية الناتجة عن ذلك إلى عدة جولات من تخفيض قيمة العملة – بتكليف من صندوق النقد الدولي – مع المزيد في المستقبل، وارتفاع التضخم الذي لا يؤرق الفقراء فحسب، بل الطبقة الوسطى التي شكلت ذات يوم العمود الفقري لدعم حكومة السيسي، كما خيبت مشاكل مصر آمال المستثمرين الأجانب، بما في ذلك حتى دول الخليج المتساهلة عادة، إن احتمال إضافة مئات الآلاف من اللاجئين إلى ملايين المصريين الفقراء بالفعل هو أكثر مما يمكن أن تتحمله أي حكومة مصرية، وعلاوة على ذلك، من المرجح أن يهرب العديد من مقاتلي حماس إلى مصر من خلال أي نزوح جماعي من هذا القبيل، مما يخلق صداعا آخر للسلطات، السجون المصرية مليئة بالفعل بالإسلاميين المحليين، هناك ما يقدر بنحو 40,000 سجين سياسي في مصر وليس هناك مجال كبير للمزيد، مع ذلك، ستحاول حكومة السيسي تحويل هذه الأزمة لصالحها وانتزاع أكبر قدر ممكن من المساعدات الخارجية من الاضطرابات، وعلى الرغم من أنها لن تقبل اللاجئين من غزة، إلا أنها ستفي بوعدها بتقديم أنواع مختلفة من التنازلات الإنسانية، مثل فتح ممرات المساعدات إلى غزة، والصفقات الخاصة، مثل السماح بإجلاء الرعايا الأجانب، وسيكون تخفيف عبء الديون على رأس قائمة السيسي، ويمكن للولايات المتحدة أن تتوقع من الرئيس المصري طرح مطالب كبيرة على طاولة المفاوضات”.
واستطرد:”خضعت التعاملات الأمريكية مع مصر لتدقيق خاص منذ ظهور مزاعم في سبتمبر بأن السناتور روبرت مينينديز وهو ديمقراطي من نيوجيرزي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي قبل رشاوى من مسؤولين مصريين لتأمين مساعدات أجنبية للبلاد في وقت يشكك فيه المشرعون في الكونجرس في سجلها في مجال حقوق الإنسان، ولكن لكسب التعاون الآن، سيطالب السيسي بأن تظل الحنفية مفتوحة، وسوف يصر على أن تساعد الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما في توفير المساعدات الإنسانية للناس في غزة، وستطلب مصر من صندوق النقد الدولي قرضا ميسرا آخر وتحث جامعة الدول العربية على تسهيل المزيد من الاستثمار في تطوير البنية التحتية في البلاد”.
وواصل التقرير:” ما يمكن تسميته “ريع الأزمة” أبقى الكثير من الأنظمة في السلطة في الشرق الأوسط لفترة طويلة، وتمارس العديد من الحكومات على الاستعداد لتوفير كل ما تتطلبه اللحظة، الاستعدادات في زمن الحرب، والمبادرات الدبلوماسية، واستضافة اللاجئين، وبطبيعة الحال، التعاون الاستخباراتي ، في مقابل تأمين تخفيف عبء الديون والإذعان الغربي للقمع الداخلي.
هذه لحظة أخرى سيحاول فيها النظام في مصر، وربما في الأردن ولبنان، وربما حتى سوريا، انتزاع الاعتراف والدعم من إدارة أمريكية ذات فترة اهتمام قصيرة، والكثير من أولويات السياسة الخارجية الأخرى، ورغبة يائسة في التخلص من المشاكل الدائمة على ما يبدو التي يطرحها الشرق الأوسط”.
الغضب والاستياء
وقال التقرير: إنه “بقدر ما تختار الولايات المتحدة والأوروبيون دعم هذه الأنظمة، فإنهم يضعون أنفسهم بشكل مباشر إلى جانب الأنظمة الاستبدادية التي تشعر بالاستياء من مرارة متزايدة من قبل مواطنيها، وأمضت القوى الغربية العقد الماضي في التوصل إلى تسوية هادئة مع عدد كبير من الأنظمة الاستبدادية العربية، بما في ذلك مصر، السخط الشعبي آخذ في الازدياد، ولكن في ادعائها المذهل لجذب انتباه العالم في مواجهة القمع الإسرائيلي والإهمال العالمي، تستحضر حركة حماس أيضا الانتفاضات الشعبية في عام 2011 إن اتفاقيات إبراهيم، وهي صفقات التطبيع بين الاحتلال وحفنة من الدول العربية التي توسطت فيها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وضعت الاحتلال بقوة في معسكر المستبدين العرب المناهضين للإخوان المسلمين، وفاقمت وجهة النظر الشعبية في جميع أنحاء العالم العربي بأن حكوماتهم تهتم بفرص العمل المربحة وعقود المراقبة والأمن عالية التقنية أكثر من اهتمامها برفاهية الناس الذين تحكمهم، يقف النظام المصري إلى حد كبير مع هؤلاء المستبدين، ومثلهم جميعا، سيرحب بتدمير الاحتلال لحماس.
واختتم التقرير:” مع ذلك، يرى الشعب المصري ظروفه الخاصة بشكل مختلف تماما مثل سكان غزة، فهو محاصر بالفساد والإهمال في دوامة لا نهاية لها على ما يبدو من الفقر والقهر، حيث يبدو الخبز والحرية والعدالة بعيد المنال بشكل متزايد، هذا النوع من اليأس لا يولد سوى المرارة والغضب، قد تكون حكومة السيسي قادرة على تشتيت واحتواء الاحتجاجات ضد سياساتها ولكن فقط على حساب المزيد من القمع، لأنه ليس من الصعب تمييز الأصداء المحلية للسخط والإحباط الفلسطينيين في مظاهرات التضامن التي انتشرت في جميع أنحاء البلاد”.
إن مصر عالقة في دورات الاضطراب والاستبداد لن تخدم أحدا جيدا لا شعبها ولا جيرانها ولا رعاتها، إن اختيار تجاهل الضرر الذي يسببه احتضان الولايات المتحدة للاستبداد قد يخدم إدارة بايدن، أو حتى الإدارة التالية، لكنه يزرع بذور أجيال من الغضب والاستياء.
https://www.foreignaffairs.com/middle-east/egypt-cauldron-gaza