يتزامن (اليوم العالمي للقضاء على الفقر) في 17 أكتوبر من كل عام، ويأتي هذه المرة في وضع شديد الصعوبة يشهده المصريون على مستوى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها، لأسباب أبرزها تدخل الجيش في عمل القطاع الخاص وكم الفساد المستشري في مشروعاته.
وكشف خبراء شاركوا في ندوة بالجامعة الأميركية في القاهرة مساء الاثنين، أن المصريين الذي يعانون من الفقر
يصل تقديرهم إلى نحو 37% من إجمالي عدد السكان الرسمي في 2023، بحسب تقرير عن الندوة نشره “العربي الجديد”.
وقال الخبراء: إن “ارتفاع الأسعار (التضخم) طاول جميع السلع والخدمات، وبينما يواجه أصحاب الدخول المرتفعة زيادة أسعار السلع الأساسية، ويتوجه المزيد من أصحاب الدخول المتوسطة إلى الوقوع في براثن الفقر، ويقع الفقراء فريسة لفقر مدقع”.
وعن التعامل الحكومي، رصد الخبراء المشاركون في الندوة، تغطية الحكومة فقط 4.7 ملايين مواطن بمدفوعات التضامن الاجتماعي، وإلزام اتحاد الجمعيات الأهلية بصرف رواتب شهرية لنحو 500 ألف فرد شهريا.
وتصرف المكافآت الشهرية لأرباب الأسر بواقع 670 جنيها للأسرة، مع دفع 75 جنيها للطفل حتى 6 سنوات، و100 جنيه لمن التحق بالمرحلة الابتدائية و125 جنيها لطلاب الإعدادي و175 للمرحلة الثانوية وبحد أقصى لطفلين لكل أسرة، تصرف ضمن برنامج تكافل وكرامة الذي ترعاه الحكومة لتعويض بعض الأسر الأشد فقرا. 
 
وكانت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا”، كشفت في تقريرها الأخير، عن ارتفاع مستويات الفقر في المنطقة العربية، عام 2022، مقارنة بالسنوات الماضية، ليصل عدد الفقراء إلى ما يقرب من 130 مليون شخص، أي ما يمثل ثلث سكان المنطقة، وهي المقدرة بنحو 33% وهو القريب القريب جدا مما أعلنه خبراء الجامعة اللامريكية باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي وليبيا، وذلك وفقا لخطوط الفقر الوطنية.
ونبه التقرير إلى أن الحروب في اليمن وسوريا والآن في فلسطين، شأنها شأن جائحة كورونا، لها تأثيرات متفاوتة على الدول في مختلف أنحاء المنطقة العربية، ولكن من المرجح أن تتحمل الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل الجزء الأكبر من هذا التأثير لاعتمادها بدرجة عالية على الواردات الغذائية ومدى توافر المساعدات المالية.
الدكتورة عالية المهدي، العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، قالت: إن “زيادة أسعار الغذاء ومعدلات التضخم السائدة حاليا، لم يسبق أن شهدتها مصر على مدار مائة عام”.
الإحصاءات الرسمية أكدت أن معدل التضخم ظل تاريخيا عند حدود 10%، ينخفض إلى نحو 3% في بعض الفترات، بينما يعلو بشدة، كلما اتجهت الحكومة إلى تعويم العملة، ظهرت جلية منذ عام 2016، حيث بلغ نحو 34%، بينما تجاوز 40% منذ سبتمبر الماضي.
وأشارت المهدي إلى أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية بمعدلات هائلة بلغت نحو 74%، دفع الأسر، إلى خفض معدلات استهلاكها من اللحوم والسلع الأساسية وتدبر الطعام من بدائل غير صحية، مضيفة أن 40% من المصريين ينفقون دخولهم على شراء السلع الغذائية.
تقدير حديث
من جانبها، قالت د. هبة الليثي، أستاذة الإحصاء بجامعة القاهرة: إن “التعويم الذي حدث في عام 2016 أدى إلى زيادة معدلات الفقر في مصر في السنوات التالية لتنفيذه”.
وأشارت الليثي خلال ندوة الجامعة الأميركية الاثنين تحت عنوان “أين وصلت أرقام الفقر في مصر؟” إلى أن الأسر الفقيرة قللت من الأغذية مرتفعة السعر مثل اللحوم والدواجن والأسماك نتيجة التضخم، واتجهت لأغذية أقل سعرا وقيمة غذائية مثل الكربوهيدرات والمعجنات.
وأوضحت أن ثلثي الفقراء في مصر يقيمون في المناطق الريفية بالمحافظات، بينما 48% من الفئات الأعلى فقرا تقيم بمحافظات صعيد مصر، مضيفة أن 80% من الأسر الفقيرة لا يستفيدون من برنامج تكافل وكرامة الحكومي.
وكشفت عن تراجع أعداد المواطنين المؤمن عليهم والمشتركين بأنظمة التأمينات الاجتماعية من الفقراء منذ عام 2017 محذرة من خطورة افتقاد الفقراء الغطاء التأميني، الذي يحميهم من الصدمات الاقتصادية المتوقعة.
وأشارت “الليثي” إلى أن تراجع أعداد الفتيات الملتحقات بالتعليم الثانوي من الأسر الفقيرة، هو نتيجة ارتفاع معدلات الفقر في مصر.
وأضافت أن الأسر الفقيرة هي الأكثر معاناة نتيجة زيادة التضخم وارتفاع الأسعار، لافتة إلى أن 90% من هذه الفئة، تغيّر نمط غذائها وتحولت إلى استهلاك السلع الغذائية الأقل سعراً، وأصبحت تعاني من انعدام الأمن الغذائي لصعوبة الحصول على الغذاء الصحي والاستفادة منه.
مستشارة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هبة الليثي، استعرضت خلال الندوة دراسة توقعت فيها أن يكون مستوى الفقر في عام 2022/2023 ارتفع إلى %35.7، مع ارتفاع خط الفقر إلى 1478 جنيها شهريا، وارتفاع خط الفقر المدقع إلى 1069 جنيها شهريا.
وتشرف الليثي على «بحث الدخل والإنفاق» الذي يتضمن معلومات وبيانات عن مستوى معيشة المواطنين، وقواعد معلومات لقياس الفقر، ويصدره «جهاز التعبئة والإحصاء» كل سنتين، ولم تصدر بعد نسخته التي تغطي حتى عام 2022، رغم تصريحات رئيس الجهاز، في مارس 2023 عن صدوره في النصف الثاني من العام الجاري 2023، أتبعها، في أغسطس، بتحديد أكتوبر 2023 موعدًا لصدور التقرير، دون أن يصدر.
مشروع «حلول للسياسات البديلة» التابع للجامعة الأمريكية، كان وراء الندوة التي كشفت أن نسبة من يعتبرون غير فقراء انخفضت بأكثر من 8% من 2019/2020 وحتى نهاية 2022/2023، وذلك مع انخفاض نسبة من يعانون من الفقر المدقع، مقابل ارتفاع نسبة من يعتبرون على مقربة من الفقر والفقراء.
وقالت: إن “التضخم هو العامل الأساسي وراء ارتفاع معدل الفقر، موضحة أن الفترة ما بين 2015 ومنتصف 2018 شهدت معدلات تضخم عالية مقارنة بالزيادة في الدخل، وهو ما تراجع معه الدخل الحقيقي، وبالتالي ارتفع الفقر من 27.8% إلى 32.5%”.
وطالبت هبه الليثي بتبني سياسات حمائية مواجهة الفقر، السياسات الموجهة لتخفيف آثار الفقر على من وقعوا فيه بالفعل، وتشمل توسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية من حيث نسبة التغطية والقيمة، بما يشمل الدعم التمويني والوجبات المدرسية وبرنامج تكافل وكرامة، وإن قيمته لا بد أن ترتفع لتصل إلى حد الفقر على الأقل، على أن يجري تعديله سنويا جنبا إلى جنب مع ارتفاعات الأسعار.
ويعود الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على الفقر، إلى عام 1987، حينما اجتمع ما يزيد على 100 ألف شخص تكريما لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع في ساحة تروكاديرو في العاصمة الفرنسية باريس، حيث وقع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وأعلنوا أن الفقر يعد انتهاكا لحقوق الإنسان.
والفقر المدقع أو الفقر المطلق، عرفته الأمم المتحدة، عام 1995، بأنه حالة تتسم بالحرمان الشديد من الحاجات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك الغذاء ومياه الشرب المأمونة ومرافق الصرف الصحي والصحة والمأوى والتعليم والمعلومات، فهو لا يعتمد فقط على الدخل ولكن أيضاً على الحصول على الخدمات، ويعرف أيضا الفقر المدقع بأنه العيش على أقل من دولارين للشخص الواحد في اليوم وفقا لمعيار القوة الشرائية لعام 2017، ويعيش بالفعل 8.4 في المئة من سكان العالم أو ما يصل إلى 670 مليون شخص في فقر مدقع طبقاً لإحصاء عام 2022.
 
             
                 
                             
                         
					
                     
					
                     
					
                     
					
                     
					
                     
							                         
							                         
							                         
							                         
							                         
                         
					
                     
					
                     
					
                     
					
                    