عسكرة الأوقاف على قدم وساق.. تخريج دفعة أئمة من كلية «الضباط الاحتياط»

- ‎فيتقارير

يعمل نظام الدكتاتورعبدالفتاح السيسي على عسكرة المجتمع المصري من الألف إلى الياء؛ وآخر مظاهر هذه العسكرة تخريج دفعة من الأئمة مرشحين للتعيين في وزارة الأوقاف بحكومة الانقلاب.

وكانت كلية “الضباط الاحتياط” قد احتفلت بتخريج الدفعة الأولى من الأئمة المرشحين للعمل بوزارة الأوقاف، وذلك بعد إتمام دورتهم التدريبية بالكلية، بحسب بيان المتحدث العسكري، الأحد 17 سبتمبر 2023م، الذي أشار إلى حرص القيادة العسكرية على التعاون مع مختلف وزارات وهيئات الدولة لتأهيل الكوادر وفقا لتخصصاتهم المختلفة.

وشهد العام الماضي (2022) تخرج دفعات من المرشحين للعمل بوزارة النقل، ومصلحة الضرائب، ووزارة التربية والتعليم، إلى جانب الملحقين الدبلوماسيين، من الكلية الحربية بناء على توجيه رئاسي لمجلس الوزراء يُلزم الراغبين في التعيين بالحكومة الحصول على دورة تأهيل داخل الكلية الحربية لمدة ستة أشهر كشرط أساسي للتعيين، ومؤخرا أصبحت «الحربية» صاحبة الكلمة الأولى في الترقيات والتعيينات داخل الجهاز الإداري للدولة، بحسب مصادر حكومية في وزارتي «التخطيط» و«التربية والتعليم».

وحسب موقع «مدى مصر» في مايو الماضي 2022م، فإن أوامر عليا صدرت إلى الحكومة بقصر التعيين على الحاصلين على دورة تأهيل من الكلية الحربية حسب الخطاب الدوري الصادر عن أمين عام مجلس الوزراء بحكومة الانقلاب في نهاية إبريل الماضي (2023)، عن توجيه رئاسي لمجلس الوزراء بإصدار تعليمات لمؤسسات الدولة تلزم بحصول الراغبين في التعيين بالحكومة على دورة تأهيل داخل الكلية الحربية لمدة ستة أشهر كشرط أساسي للتعيين.

وتضمن الخطاب الدوري مطالبة الأمين العام للمجلس اللواء أسامة سعد، الوزراء باتخاذ الإجراءات اللازمة لاعتبار شهادة التأهيل الصادرة من مركز إصدار الوثائق المؤمنة بعد الحصول على الدورة، ضمن مسوغات التعيين في جميع الوزارات والجهات التابعة لها، وينقل “مدى مصر” عن مصادر حكومية في وزارتي التخطيط والتربية والتعليم أن الكلية الحربية أصبحت منذ عدة أشهر صاحبة الكلمة الأولى في الترقيات والتعيينات داخل الجهاز الإداري للدولة، ما اعتبره المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، كمال عباس، قرارا صادما وغير قانوني، مشددا على أنه خطوة لمزيد من العسكرة ومزيد من تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة المدنية.

وينقل الموقع عن مصدر بوزارة التخطيط بعدما طلب عدم ذكر اسمه، أن الفترة الماضية لم يكن هناك تعيينات بالحكومة، ولكن الفترة المقبلة ستشهد تعيينات جديدة، لافتا إلى أن الراغبين في التعيين في الحكومة سيكون عليهم اجتياز دورة التأهيل والاختبارات الرياضية والنفسية المؤهلة لها، مشيرا إلى أنه حتى اليوم لم يحدد جهاز التنظيم والإدارة ما إذا كانت تلك الدورات ستكون قبل مرحلة التقدم للوظيفة، أو ستكون تالية للتقدم للوظيفة وقاصرة على من اجتاز الاختبارات الأولية.

وكان وزير المالية بحكومة الانقلاب محمد معيط أعلن خلال كلمته بمجلس النواب، في مايو 2023، أن الحكومة خصصت 3.7 مليار جنيه لتعيين 70 ألف موظف بمختلف قطاعات الدولة خلال السنة المالية التي بدأت أول يوليو 2023، وتشمل تعيين 30 ألف معلم، و30 ألف آخرين من الأطباء والصيادلة، بالإضافة إلى عشرة آلاف موظف في مختلف التخصصات في جميع مؤسسات الدولة، إضافة إلى نصف مليار جنيه لإجراء حركة ترقيات للعاملين بالدولة.

ومن جانبه، قال مصدر بوزارة التربية والتعليم: إن “اجتياز الدورة التأهيلية بالكلية الحربية أصبح هو الشرط الرئيسي للترقي في كل الوظائف داخل الوزارة، مشددا على أن الوصول للحصول على تلك الدورة تسبقه كثير من الإجراءات والاختبارات، وأشار المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أنه  سبق واجتاز التحريات الأمنية وبعدها الاختبارات الرياضية والنفسية والطبية واللغات داخل الكلية الحربية قبل استبعاده من كشف الهيئة  المؤهل للحصول على دورة بعنوان «دبلومة القيادة التربوية والأمن القومي» بالكلية نفسها التي حددها وزير التربية والتعليم كشرط لاختيار ألف قائد من معلمي الوزارة لتولي الوظائف القيادية بالوزارة”.

وكانت مصادر حكومية قد كشفت أن الهدف من قرار الحكومة ربط التعيينات والترقيات بدورة الكليات العسكرية مالي وسياسي، أي إضافة مصدر للدخل وضمان ولاء الموظفين الجدد، كما سبق للسيسي أن حضر بنفسه مقابلات في الكلية الحربية مع المتقدمين لشغل وظائف في وزارتي التربية والتعليم والنقل، ولا يشترط قانون الخدمة المدنية المصري على المتقدمين للوظائف الحكومية إكمال الدورات التدريبية العسكرية في الأكاديمية العسكرية أو اجتياز الامتحانات والدورات التأهيلية، وبالتالي فإن الإجراء الرئاسي الأخير يعد انتهاكا للقانون وغير دستوري، حسب مراقبين.

وكان السيسي خلال اجتماع في إبريل 2022م ضم رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ومختار جمعة وزير الأوقاف ووزير العدل، عمر مروان، قد بحث جهود تعظيم متحصلات هيئة الأوقاف المصرية، البالغة نحو مليار و429 مليون جنيه خلال الفترة المنقضية من العام المالي الماضي، ووجه السيسي بمواصلة هيئة الأوقاف جهودها في تعظيم عوائد الوقف، وحسن استثماره، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتنفيذها الأحكام القضائية الصادرة لصالح الهيئة بحجة صون ممتلكاتها، فضلا عن سرعة إنهاء الإجراءات التنفيذية لصندوق الوقف الخيري، في إطار تعظيم عوائده.

وشدد السيسي على استمرار جهود وزارة الأوقاف في إعداد جيل من الأئمة المفكرين، من خلال بلورة البرامج التدريبية المتقدمة، وانتقاء الأئمة الأكثر نبوغا لإعدادهم علميا وفكريا ومهنيا، بدعوى تكوين جيل من المفكرين الدينيين، وصانعي الرأي الديني الوسطي الرشيد والمستنير، إلى جانب إعداد برامج في اللغات الأجنبية لصقل الأئمة الموفدين للخارج.

ويحظى وزير الأوقاف مختار جمعة بدعم كبير من السيسي شخصيا؛ فهو الوزير الوحيد الذي بقي على كرسي الوزارة في جميع الحكومات التي تلت الانقلاب العسكري في يوليو 2013م. على الرغم من ضلوع اسمه في العديد من وقائع الفساد المالي، مثل تورطه في قضية رشوة وزير الزراعة السابق صلاح هلال (مسجون حاليا) كما كشفت تحقيقات للنيابة الإدارية في مصر عن استيلاء جمعة على نحو 772 ألف جنيه من أموال الوقف الإسلامي، لتجهيز شقة فاخرة مملوكة له بضاحية المنيل على نيل القاهرة، فضلا عن ضلوع اسمه في فضيحة “صكوك الأضحية” عام 2016، التي حصلت وزارة الأوقاف بموجبها على ملايين الجنيهات من المواطنين مقابل ذبح الأضاحي، واشترت بدلا منها لحوما مجمدة لا تتجاوز صلاحيتها خمسة أيام.

وكان السيسي قد صدق على قانون إنشاء صندوق الوقف الخيري، الهادف إلى تسهيل إجراءات الاستيلاء على أموال الوقف الخيري، وتوجيهها لإقامة المشروعات الخدمية والتنموية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، تحت ذريعة معاونة الدولة في ملف التطوير، وتعارض القانون مع قرار سابق لهيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، رفضت فيه السماح باستغلال الدولة أموال الوقف، لأنه “لا يجوز شرعا تغيير شرط الواقف، أو التصرف في الوقف على غير ما شرطه”.

وأصدر السيسي قانونا لإعادة تنظيم هيئة الأوقاف المصرية في نهاية عام 2020، بغرض قوننة إجراءات بيع الوقف بالمخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، تحت مزاعم تشجيع نظام الوقف، وضمان استقلاله، وإدارته على نحو يعظّم الاستفادة منه، ويحظى استثمار عوائد أموال الوقف باهتمام بالغ من السيسي، ولا سيما أنه يعوّل عليها في تمويل بعض المشروعات الكبرى التي يتبناها.