وصف الانتخابات الرئاسية المرتقبة في مصر أواخر العام الحالي “2023” بالمسرحية الهابطة أو التمثيلية ليس من قبيل الصدفة؛ بل هو وصف دقيق لطبيعة الأشياء؛ وقد شهدنا جميعا ما جرى في 2014 وكم كانت مسرحية عبثية بامتياز؛ حين حل حمدين صباحي ثالثا بعد الأصوات الباطلة. ورأينا كم داخت أجهزة السيسي المخابراتية والأمنية السبع دوخات بحثا عن مرشح في مسرحية 2018 بعدما تم وضع أحمد شفيق رهن الإقامة الجبرية، وتم منع الفريق سامي عنان من الترشح ثم الزج به في السجن كشكل من أشكال التأديب على جرأته وإعلانه الترشح أمام السيسي حتى تم الإفراج عنه في صفقة رعاها المشير محمد حسين طنطاوي قبل وفاته، فوقع الاختيار على موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد المؤيد للسيسي ليكون منافسا للسيسي؛ والغريب أنه حين أعلن عن ترشحه قال إنه سينتخب السيسي؛ فهل هناك مسرحية هابطة أكثر من ذلك؟ وهل هناك تدمير لسمعة ومكانة مصر أكثر من ذلك؟
المسرحية المقبلة قد تختلف بعض الشيء؛ لأن هناك أجنحة داخلة منظومة الدولة نفسها وأجهزتها الأمنية لا تريد للسيسي أن يستمر؛ وهذا الجناح لا يستهان به؛ لأن تقديرات الموقف تؤكد بكل وضوح أن استمرار السيسي هو أعظم وصفة ممكنة لتدمير مصر؛ فالجنرال خرب البلد ودمر اقتصادها وأغرقها في الديون الباهظة لدرجة أن فوائد هذه الديون وأقساطها السنوية بات أكبر حجما من جميع إيرادات الدولة، والأهم من ذلك أنه لا يملك أي خطط ممكنة لمواجهة التضخم الجامح والغلاء الفاحش الذي أسقط عشرات الملايين من المصريين تحت خط الفقر؛ وعواصم الخليج نفسها غير راضية عن طريقة إدارته للبلاد بعدما ساعدته في 2022 بنحو 22 مليار دولار؛ وهي اليوم لا تريد أن تقدم له المزيد من المساعدات؛ بل تريد شراء أصول الدولة المربحة كمقابل لمنح الجنرال حفنة دولارات سيهدرها في أيام معدودات على سداد أقساط وفوائد الديون الخارجية. ويكفي أن صندوق النقد أيضا قد جمد مشارواته مع السلطة من أجل باقي شرائح القرض الجديد المقدر بنحو 3 مليارات دولار فقط والذي استلم منه السيسي شريحة واحدة فقط، وامتنع الصندوق عن منحه باقي الشرائح.
في ظل هذه الأوضاع المزرية تجد مراكز القوى داخل الدولة العميقة أن الأمور تزداد تعقيدا وأن الرهان على السيسي فاشل حتما؛ وأن السكوت عليه قد تكون تكاليفه باهظة للغاية على الدولة نفسها والنظام نفسه؛ لذلك قد يبحث هؤلاء عن مرشح ينافس الجنرال ويطيح به في عملية سلمية لا كلفة فيها. لكن هذا السيناريو تحول دونه عقبات كثيرة؛ أبرزها أن الجنرال نفسه لن يسمح بأي مرشح من العيار الثقيل لينافسه حتى لو كانت هذه الانتخابات مجرد مسرحية تم الترتيب لها في دهاليز وغرف المخابرات والأمن الوطني.
يقول محللون إن هذه مجرد أحلام وأوهام لا وجود لها على أرض الواقع؛ وأن السيسي ممسك بمفاصل السلطة وزمام الأمور على نحو لا يدع فرصة لمراكز القوى أن تتحرك ضده، وأن المسرحية ماضية كما هو مرسوم لها؛ ولكن الأجهزة تعمل جاهدة من أجل أن تخرج بصورة أكثر جدية عما كانت عليه الأوضاع في 2014 و2018. ولذلك فإن مشكلة الكومبارس تم حلها مقدما بتجهيز عدة كومبارسات أفضل حالا من موسى مصطفى موسى؛ وأبرز هؤلاء عبدالسند يمامة؛ رئيس حزب الوفد. الذي أعلن الأربعاء 20 سبتمبر 2023م، أنه أكمل صياغة برنامجه الرئاسي، وأنه بصدد الإعلان عنه خلال الأيام المقبلة؛ فيما يخوض صراعا داخل الحزب مع القيادي فؤاد بدراوي الذي أعلن أيضا نيته الترشح في الانتخابات المرتقبة؛ فكلاهما حريص كل الحرص على الفوز بدور الكومبارس!
أما حزب الدستور فقد أعلنت هيئته العليا ترشيح جميلة إسماعيل لخوض انتخابات مسرحية الرئاسة.
وقال رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فريد زهران، إن الهيئة العليا للحزب عقدت اجتماعها مساء الأربعاء لبحث موقفها النهائي من الانتخابات الرئاسية، وإجراء التصويت الإلكتروني للموافقة على ترشح زهران للانتخابات الرئاسية، أو دعم مرشح آخر، أو انسحاب الحزب من المشاركة في الانتخابات. وحسب باسم كامل الأمين العام للحزب فإن الانتهاء من عملية التصويت سوف يتم ظهر الخميس، على أن يتم الإعلان عن النتيجة عقب انتهاء التصويت، على أن يعقد لاحقا مؤتمرا صحفيا بهذا الشأن.
أما المرشح الوحيد الذي يظهر بشكل جاد بين كل هؤلاء الكومبارسات هو النائب السابق أحمد الطنطاوي؛ وإن كانت خلفيته الناصرية موضع شكوك لدى كثيرين؛ لأن هذا التيار معروف بانحيازه المستمر للاستبداد والطغيان والتزلف للجنرالات. ولم يعرف لهذا التيار في يوم من الأيام انتصارا للحريات أو الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويكفي موقفهم المشين من الانقلاب العسكري في يوليو 2013م. لكن الملاحقات والمضايقات التي يتعرض لها طنطاوي من أجهزة السيسي قد أكسبته شيئا من الاحترام لا ندري هل يستحقه أم نحن مخدوعون فيه كما انخدعنا من قبل في كثيرين ظننا بهم خيرا فكانوا في إيدائهم كالأفاعي والثعابين القاتلة. آخر مواقف طنطاوي الجديرة بالاحترام حقا أنه نشر الأربعاء، تشكيل إدارة حملته الانتخابية «تحت التأسيس»، بأسماء المتطوعين وأرقام هواتفهم، وذلك بعد إصرارهم على ذلك ردًا على الهجمة اﻷمنية على الحملة، وحبس نحو 36 من أعضائها. وقال الطنطاوي إن الرد على «البطش والقمع ومحاولات التخويف الفاشلة» كان انضمام ثلاثة آلاف و325 متطوعًا للحملة خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، ليبلغ إجمالي المتطوعين بالحملة 18 ألفًا و334 شخصًا، وصفهم بـ«البطلات والأبطال»، الذين يعلمون «طبيعة السلطة التي نسعى لتغييرها في الانتخابات الرئاسية القادمة»، وأنهم «اختاروا طريق النضال السلمي تحت سقف الدستور والقانون لإنجاز التحول المدني الديمقراطي وبناء دولة القانون والمؤسسات». كم هي كلمات فخيمة في ظل واقع أسود وطغيان دهس كل شيء.
تتزامن هذه التطورات مع إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات في مؤتمرها الإعلامي الأربعاء أنها سوف تعلن الإثنين المقبل 25 سبتمبر موعدا لإعلان جدول الانتخابات، وإن لم تعلن عن ضمانات بعينها، وإن أشارت إلى التزام الهيئة بكافة الضوابط والضمانات الوطنية والدولية لصحة إجراءات الانتخابات، مع التأكيد على وقوف الهيئة على مسافة واحدة من جميع المرشحين، وتعهدها بأن تكفل لراغبي الترشح حقهم في الترشح متى توافرت فيهم الشروط اللازمة. فهل كان يتوقع أحد أن تقول الهيئة كلاما غير ذلك؟!