مخاطر وأضرار الغزو الروسي لأوكرانيا على الاقتصاد العالمي.. العرب والمسلمون الأكثر تضررا

- ‎فيعربي ودولي

لم يكد العالم يتنفس بعض هواء الانتعاش الاقتصادي، بعد فترة ركود استمرت عامين بسبب وباء فيروس كورونا والمتحورات المتتالية له، حتى جاء الغزو الروسي لأوكرانيا والتبعات المتوقع أن تترتب عليه ، سواء حرب عالمية ثالثة أو أزمة ممتدة، لتهز الاقتصاد العالمي بعنف.

العديد من الصحف العالمية والخبراء ومراكز الأبحاث تناولوا عدة سيناريوهات لحجم الدمار واهتزاز الأسواق والاقتصاديات في العالم ، والتي سوف تترتب على الحرب الروسية الأوكرانية.

تحدثوا عن عدة سناريوهات مختلفة أغلبها ضبابية، وبدأت وكالات أنباء ترصد آثارا سريعة لذلك على أسواق واقتصاديات الدول الفقيرة خصوصا ، أو الأسواق الناشئة في العالم العربي والإسلامي بشكل عام.

صندوق النقد والبنك الدولي أصدرا بيانا مشتركا أول مارس 2022 بشأن الخسائر البشرية والاقتصادية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا.

أكدا أنه سيكون لها تداعيات كبيرة على البلدان الأخرى بدفع أسعار السلع إلى الارتفاع وتأجيج التضخم، الذي يصيب الفقراء أكثر من غيرهم، وتفاقم الاضطرابات في الأسواق المالية.

أكد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أنهما يعملان معا لتقييم الأثر الاقتصادي والمالي للصراع واللاجئين على البلدان الأخرى في المنطقة والعالم، لتقديم دعم سياسي وتقني ومالي معزز للدول حسب الحاجة.

وكالة رويترز رصدت يوم 2 مارس 2022 خروج مئات الملايين من الدولارات من أسواق النقد الأجنبي في مصر، منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا.

تحدثت عن فرار المستثمرين الأجانب بأموالهم إلى استثمارات أكثر أمانا، وسحبهم ثلاثة مليارات دولار من مصر خلال ستة أيام (24 فبراير يوم بدء الهجوم الروسي حتى 3 مارس).

وكالة بلومبرج الاقتصادية أكدت 25 فبراير 2022 أن الاجتياح الروسي يحمل مخاطر هائلة على الاقتصاد العالمي، فيما يخص التضخم المرتفع والأسواق المالية غير المستقرة وتهديد النمو.

تحدثت عن 3 سيناريوهات لهذا التدهور الاقتصادي بالنسبة للدول الغنية مرتبط أولها بتوقف الحرب سريعا وعدم تأثيرها على إمدادات الطاقة ومزيد من انهيار الأسواق، وثانيا بإطالة أمد الأزمة واتساع التضخم والركود، ومرحلة أسوأ في حالة انقطاع الطاقة حال تمدد الحرب وزيادة العقوبات ، ما يعني انهيار في الأسواق والاقتصاديات.

أوضحت أن الخاسرين الأكبر والسيناريوهات الأسوأ ستكون من نصيب المستهلكين والدول الفقيرة التي ستشعر بتأثير ارتفاعات أسعار السلع الأساسية، مثل المواد الغذائية الأساسية مثل القمح وكذلك الطاقة وينعكس على رفع أسعارها ومن ثم اضطرابات شعبية.

يزيد من حجم التأثير أن الدول المتحاربة تنتج ثلث صادرات القمح في العالم وخُمس تجارة الذرة وارتفاع أسعار النفط بصورة جنونية، بما يزيد تكلفة النقل ورفع أسعار السلع المختلفة.

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نقلت عن خبراء في 2 مارس 2022 تقديرهم أن الحرب الروسية على أوكرانيا ستضغط على الاقتصاد العالمي ، وأن ارتفاع أسعار الطاقة فقط بفعل الحرب يهدد سلاسل التوريد للسلع المختلفة، وهي عوامل يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التضخم وكبح النمو.

أكد الخبراء في مجال النقل والسلاسل التجارية للصحيفة أن العالم سيشهد ارتفاعا هائلا في أسعار الشحن الجوي والبري والبحري ، وحذروا من أن أسعار الشحن في المحيطات يمكن أن تتضاعف أو تتضاعف ثلاث مرات لتصل إلى 30 ألف دولار للحاوية من 10 آلاف دولار للحاوية ، ما سينعكس على البلدان الفقيرة خصوصا.

قال آدم بوزين، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي إن "أوروبا ستعاني من تضخم حاد وأوروبا الشرقية قد لا تتمكن من الوصول لعوائدها المالية والعقوبات على روسيا بغلق المجال الجوي لـ 36 دولة في وجهها وحصارها بالعقوبات الاقتصادية ، فقد يدفعها لخطوات انتقامية تزيد الأمور سوءا".

كما أن الحرب سيكون لها آثار على المدى الطويل على ميزانيات الدول المستقبلية ، فألمانيا مثلا قررت زيادة الإنفاق العسكري إلى 2 في المائة من ناتجها الاقتصادي.

مشروع project-syndicate أكد 25 فبراير 2022 أنه من المرجح أن ترتفع ميزانيات الدفاع في أوروبا والولايات المتحدة وبعض البلدان الأخرى لتعكس الوضع العالمي الخطير بشكل متزايد ، ما سينعكس على التعليم أو الرعاية الصحية أو البنية التحتية.

وأن العواقب الاقتصادية العالمية ستظهر ببطء، وستواجه البلدان المستوردة للنفط رياحا معاكسة من ارتفاع الأسعار بعد الحرب الروسية الأوكرانية تؤثر على حياتها الاقتصادية وأسعار السلع والتضخم بها.

 

روسيا الخاسر الأكبر 

وأوضح أن روسيا هي الخاسر الاقتصادي الأكبر من الصراع على المدي الطويل (بعد أوكرانيا، التي ستتجاوز خسائرها بكثير ما يمكن قياسه في الحسابات القومية) خاصة أن اقتصاد روسيا يعاني حالة ركود منذ ضم الكرملين لشبه جزيرة القرم عام 2014.

المنتدى الاقتصادي العالمي تحدث 28 فبراير 2022 عن 6 آثار على الأسواق العالمية بفعل الحرب هي، التضخم الكبير وارتفاع أسعار الطاقة وانهيار أسهم الاسواق المختلفة وانهيار اقتصادي أوكرانيا وروسيا وارتفاعات قياسية في أسعار القمح والمواد الغذائية ستتضرر منه الدول الفقيرة خصوصا.

حذرت الأمم المتحدة من مخاطر الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية ، ما سيتسبب بحدوث مجاعة وذلك على خلفية الأحداث في أوكرانيا.

وقال جيلبرت هونجبو، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) في بيان صدر اليوم الخميس إن "الأحداث في أوكرانيا ستنعكس عواقبها على جميع قارات العالم، على وجه الخصوص، هناك خطر حدوث تدهور في الأمن الغذائي العالمي".

وتشير وثيقة نشرها الصندوق إلى أن "40٪ من صادرات القمح والذرة الأوكرانية تذهب إلى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، التي تواجه بالفعل مجاعة وحيث قد يؤدي المزيد من نقص الغذاء أو ارتفاع الأسعار إلى اضطرابات اجتماعية"

وقال الصندوق إن "استمرار هذا الصراع، سيكون كارثة للعالم بأسره، وخاصة لأولئك الذين يكافحون بالفعل لإطعام أسرهم".

وقالت وكالة بلومبيرج 6 مارس 2022 أن أسعار القمح ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2008، في ظل المخاوف المتصاعدة من حدوث نقص عالمي في الإمدادات".

وأن أسعار القمح سجلت ارتفاعا قياسيا بنسبة 40% وهي الأعلى خلال 14 عاما ، حيث تسببت الحرب الروسية على أوكرانيا في منع كييف من تسليم أكثر من 25 في المائة من صادرات المحصول.

 

3 سيناريوهات

يقول تقرير لوكالة بلومبرج الأمريكية، إن "الاجتياح الروسي يحمل مخاطر هائلة على الاقتصاد العالمي، إذ يبدو الصراع بالفعل وكأنه أخطر حرب في أوروبا منذ عام 1945".

وجاء الهجوم بعد أسابيع من التوترات التي أرسلت بالفعل هزات في الاقتصاد العالمي من خلال رفع أسعار الطاقة ، حيث قفز النفط متجاوزا 130 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 2014، بينما قفز الغاز الطبيعي الأوروبي بنسبة تجاوزت 60%.

الآن يعاني الاقتصاد العالمي من 3 نقاط ضعف هي، التضخم المرتفع والأسواق المالية غير المستقرة وتهديد النمو أيضا، إذ يمكن أن تؤدي الهزات الارتدادية من الحرب الروسية الأوكرانية إلى تفاقم هذه المشاكل بسهولة.

وفيما يتعلق بالنمو سيكون لدى الأسر التي تنفق جزءا أكبر من دخولها على الوقود والتدفئة نقود أقل للسلع والخدمات الأخرى، ومن شأن هبوط الأسواق أن يضيف عائقا آخر، ويضرب الثروة والثقة، ويجعل من الصعب على الشركات الاستفادة من الأموال للاستثمار.

ويقول تقرير لصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية إن "حجم الضربة التي سينتهي بها الصراع الجاري على الاقتصاد العالمي تعتمد على مقدار طول الحرب ونطاقها، وشدة العقوبات الغربية، واحتمال انتقام روسيا".

وهناك أيضا احتمالية لحدوث تقلبات أخرى، من الهجرة الجماعية للاجئين الأوكرانيين إلى موجة من الهجمات الإلكترونية المتبادلة.

رغم أن الحروب لا يمكن التنبؤ بها، ونتائجها تكون فوضوية أكثر من أي توقعات، فإن وضع بعض السيناريوهات يمكن أن يساعد في فهم الأوضاع التي ستقبل عليها اقتصادات الدول.

أولا: نهاية سريعة للحرب واستمرار تدفق النفط والغاز

تقول بلومبرغ إيكونوميكس إن "النهاية السريعة للقتال في أوكرانيا، ستمنع حدوث مزيد من التصاعد اللولبي في أسواق السلع، ما يبقي التعافي الاقتصادي الأمريكي والأوروبي على المسار الصحيح، لكن سيتعين على محافظي البنوك المركزية تعديل خططهم لا إلغاؤها".

والسيناريو المتفائل هذا لا يرى أي انقطاع في إمدادات النفط والغاز، مع استقرار الأسعار عند مستوياتها الحالية، وتشديد الأوضاع المالية، ولكن دون انزلاق مستدام في الأسواق العالمية.

وظهر هذا النوع من التفاؤل في أسواق النفط بعد أن كشفت الولايات المتحدة وحلفاؤها النقاب عن حجم العقوبات على روسيا، رغم أنها شملت قطع بعض البنوك الروسية عن نظام "سويفت" العالمي، لكن حتى اللحظة فإن إمدادات الطاقة الروسية لم تكن هدفا للعقوبات الغربية.

ثانيا: صراع أطول ورد فعل غربي أكثر صرامة وتضرر إمدادات الطاقة

سيؤدي ها السيناريو الثاني إلى صدمة طاقة أكبر وضربة كبيرة للأسواق العالمية، ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى رفع أسعار الفائدة من قبل المركزي الأوروبي، في حين أن تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي سيتباطأ.

وفي هذا السيناريو، من المرجح أن تكون أوروبا قادرة على إبقاء أضوائها مضاءة، ولكن سيكون هناك ضرر مادي للناتج المحلي الإجمالي، ما سيدفع لرفع لسعر الفائدة من البنك المركزي الأوروبي حتى عام 2023.

وفي الولايات المتحدة، قد يدفع هذا السيناريو التضخم العام إلى 9% في مارس/آذار، ويبقيه قريبا من 6% بحلول نهاية العام، في الوقت نفسه من شأن المزيد من الاضطرابات المالية وضعف الاقتصاد، جزئيا بسبب الانكماش الأوروبي، أن يترك بنك الاحتياطي الفيدرالي في حالة تضارب.

ثالثا: السيناريو الأسوأ انقطاع إمدادات الطاقة بالكامل

هذا هو السيناريو الأسوأ حيث يمكن أن يؤدي قطع إمدادات الغاز في أوروبا إلى مزيد من الركود، في حين أن الولايات المتحدة ستشهد ظروفا مالية أكثر صرامة، وضربة أكبر للنمو، وللمجلس الاحتياطي الفيدرالي نظرة هي الأكثر تشاؤما بشكل ملحوظ حيال ذلك.

وقد ترد روسيا على تصاعد العقوبات الغربية ضدها بإيقاف تدفق الغاز إلى أوروبا، وبحسب بلومبرج لم يفكر مسؤولو الاتحاد الأوروبي في الأمر، العام الماضي، عندما أجروا محاكاة لـ19 سيناريو لاختبار الضغط على أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك، يقدر البنك المركزي الأوروبي أن صدمة تقنين الغاز بنسبة 10% قد تخفض الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو بنسبة 0.7%

بالنسبة للولايات المتحدة، ستكون صدمة النمو كبيرة أيضا وقد تكون هناك عواقب غير مقصودة من العقوبات القصوى التي تعطل النظام المالي العالمي، مع تداعيات على البنوك الأمريكية، سوف يتحول تركيز الاحتياطي الفيدرالي إلى الحفاظ على النمو، ولكن إذا أدت الأسعار المرتفعة إلى ترسيخ توقعات التضخم بين المستهلكين والشركات، فإن ذلك من شأنه أن يثير أسوأ سيناريو للسياسة النقدية، الحاجة إلى التشديد بقوة حتى في ظل اقتصاد ضعيف.