"بكرة تشوفوا مصر، مصر أم الدنيا وبكرا تكون أد الدنيا" تلك العبارة التي ضحك بها المنقلب السيسي على بعض المخدوعين من المصريين، منذ انقلابه الدموي، وتغنى بها المخدوعون بتوجيه من الشئون المعنوية للجيش والإنتاج الفني المخابراتي، لتشويه وتغييب وعي المصريين،حيث أثبتت الأيام فشله فهو مجرد خداع، بل إنه كتمثال العجوة الذي كان يبنيه كفار الجاهلية الأولى ثم يأكلونه عندما يجوعون.
فمع الحكم العسكري لمصر ، والذي قزمها على المستوى الإقليمي والدولي، إثر سياسات السيسي الفاشلة، وانكشاف أمره عالميا وإقليميا، وإنه مجرد جزار دموي وإنه ليس إلا شحاتا ، فقط إنه مستعد للتعري والرقص لمن يدفع ، وبيع المواقف أحيانا بالمجان من أجل المليارات والدولات .
وقد تعددت الطعنات واللطمات السياسية والإستراتيجية التي نالتها مصر في عهد السيسي، فبات الفلسطينيون الذين كانت مصر لهم السند والمأوى السياسي والإنساني والاقتصادي ، بحكم الجوار والتماهي التاريخي، لا يثقون في مصر ولا يلجأون إليها بعد أن باتت أكثر بيعا للمواقف على حساب القضية الفلسطينية نفسها، وبات التدخل المصري في أية مواجهات عسكرية بين المحتل والمقاومة الفلسطينية، هدفه الأساسي هو إنقاذ إسرائيل من صواريخ الفلسطينيين، وفي السودان تابع العالم تأليب السيسي للعسكر على حساب المكون المدني للثورة السودانية، فهتفت الجماهير الغاضبة لأول مرة ضد السيسي وضد مصر.
أفريقيا شاهد على التراجع
وفي إفريقيا تعددت مسارات فشل السيسي، بعد أن كانت مصر قبلة الأفارقة، فمع تقزيم مصر على يد السيسي وعساكره، بُني أكبر سد للمياه في إثيوبيا فيما يوجد أكثر من سد للتخرين في مراحل التشييد، كما تم تجاهل مصر خلال تشكيل الجزائر وإثيوبيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا مجموعة الأربعة الكبار، لتنسيق وحل الأزمات في إفريقيا.
دعم حفتر
وفي ليبيا تسبب انحياز مصر لمواقف القاتل العسكري حفتر في خسارة دورها وموقعها في ليبيا، وبات الليبيون لا يثقون في أي تدخل أو دور مصري في حلحلة الأزمة الليبية، وبات مدخل تحييد مصر هو منحها اتفاقات اقتصادية لتشغيل العمالة المصرية وتشييد بعض الطرق، وهكذا تمدد التجاهل والتهميش لمصر السيسي.
منبوذ أوروبيا
وبات منبوذا في أوروبا أيضا لانتهاكاته بحق شعبه على عكس الفلسفة الأوربية التي تحترم الإنسان، كما لم ينسَ العالم جلسته كتلميذ أمام سيده بالبيت الأبيض دونالد ترامب ، مقدما خدماته وعارضا أدواره المبتذلة لتصفية القضية الفلسطينية عبر ما يعرف بصفقة القرن، كما كان يوما مشهودا لمصر في التقزيم الدولي، حينما وصف دونالد ترامب السيسي بأنه "ديكتاتوره المفضل".
وكل تلك المواقف والتوصيفات لا يمكن فهمها أو تفسيرها إلا في إطار تقزيم مصر ومستبدها الأعظم.
تقزيم وتجاهل
وكان لافتا مؤخرا حجم التقزيم الذي مُنيت به مصر، إبان الأزمة الروسية الأوكرانية الجارية، فمنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا جرت محاولات عدة للوساطة بينهما ضمن مساعى لوقف الحرب، بينها محاولات لدول في الشرق الأوسط، منها الإمارات وإسرائيل وتركيا ومصر، وفيما رد الطرفان على بعض هذه الدعوات، فإنهما تجاهلا تحديدا ما صدر عن القاهرة.
ويأتي عدم تعاطي الجانبين الروسي والأوكراني مع دعوة مصر إلى التوسط كنتيجة عدم ثقة الطرفين في الموقف المصري الذي يعتقد كل طرف أنه موالٍ للجانب الآخر.
وساطة مرفوضة
وبدأت محاولات الوساطة من قبل كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، وبعد ذلك عرض الوساطة كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وسط تأكيد هؤلاء التزامهم الحياد في هذه الحرب، مما يجعل دولهم في موقف جيد لأداء دور الوسيط بين الطرفين.
مصر كانت أيضا من ضمن من عرضوا الوساطة، إذ أجرى عبد الفتاح السيسي اتصالا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء الماضي، أكد خلاله "ضرورة تغليب لغة الحوار مع دعم مصر المساعي الدبلوماسية التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسيا".
وقال السيسي إن "مصر مستعدة لدعم هذا التوجه من خلال تحركاتها الحثيثة في هذا الصدد سواء ثنائيا، أو على الصعيد المتعدد الأطراف" لكن الدعوة المصرية لم يتم التجاوب معها من أي طرف حتى الآن.
وذلك رغم أن روسيا وأوكرانيا، استجابتا لدعوات للوساطة من قبل دول، تعلم كل منهما أنها قد تكون منحازة لطرف على حساب الآخر، لكنها مع ذلك تعرف أنه يمكن الاستفادة من هذه الأطراف، رغم انحيازها، في مسائل عدة، وهذا ما لم يحدث مع مصر".
فعندما تتعامل إحدى الدول مع أي طرف وهي تعرف جيدا موقفه منها شيء، وعندما تتعامل مع طرف لا تعرف بشكل محدد ما هي انحيازاته ومصالحه شيء آخر، وهذا تقريبا ما حدث مع مصر ودعوتها للتوسط بين روسيا وأوكرانيا.
وسبب ذلك الالتباس في الموقف المصري، هو تعاملها الدبلوماسي الخطأ مع الأزمة منذ اللحظة الأولى، فبعد فترة صمت طويلة لم تتبن فيها القاهرة أي وجهة نظر في القضية، فجأة صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة مع قرار إدانة الحرب الروسية، وفي الوقت ذاته أصدرت بيانا بدا كأنه ضد إدانة روسيا، وهو ما أوقعها في منطقة ضبابية، وأفقدها ثقة جميع الأطراف، الروسية من جهة، والغربية والأميركية والأوكرانية من جهة أخرى، وبسبب التهريج والرقص على حبال متباينة ومتناقضة والتوهان السياسي في المواقف، بات من الصعب التعامل مع دعوة الوساطة المصرية بشكل جدي.
وباتت المواقف المصرية مع الروس من جهة، ومع الأوكرانيين من جهة أخرى، والدعوة الصادرة من القاهرة للوساطة، لم يكن لها ما يسندها على أرض الواقع.
بل صارت مصر الآن غير محل ثقة عند الروس، الذين يتصورون أنها من الممكن أن تنحاز لأوكرانيا، وهو ما عبّر عنه بوضوح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في تصريحاته في مؤتمر صحفي عقده بعد جلسة مباحثات مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا في أنطاليا التركية قبل أيام، عندما قال صراحة إن "الولايات المتحدة الأميركية، تدفع دولا مثل مصر والهند ودول شرق آسيا، لتنفيذ العقوبات على روسيا، وهو لا يجوز أن يحدث مع دول لها تاريخ واحترام مثل تلك الدول" وهو ما يؤكد عدم ثقة الروس بالموقف المصري.
وفي المقابل لا يحظى الموقف المصري أيضا بأي ثقة لدى الأوكرانيين الذين يعتبرون أن القاهرة تدعم الموقف الروسي بوضوح، وبالتالي لن تكون طرفا محايدا في أي وساطة محتملة، ووفق مصادر دبلوماسية، فإن الطرفين (أوكرانيا وروسيا) لا يعولان كثيرا على أن لمصر أي تأثير أصلا على الطرف الآخر.