«إسرائيل» تخشى الفوضى بعد رحيل عباس وتبحث عن الوريث المناسب

- ‎فيعربي ودولي

يبقى الوضع الأمني الفلسطيني له الأولوية عند صانع القرار الإسرائيلي؛ لما له من تأثير مباشر على أمن الكيان الصهيوني. وفي ظل حالة التشرذم والتفكك التي تعاني منها السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس أبو مازن، تخشى دوائر صنع القرار بإسرائيل من انهيار السلطة في أعقاب رحيل أبو مازن لأي سبب من الأسباب؛ ولذلك صدرت كثير من تقديرات الرأي الإسرائيلية التي تحذر من «معركة الخلافة» في اليوم التالي مباشرة لرحيل عباس، وما يمكن أن ينتج عنه من فوضى عنيفة وهجمات مسلحة.

المخاوف الإسرائيلية تدفع حكومة الاحتلال نحو العمل باستمرار على تعزيز مكانة السلطة، والعمل على تصميم مشهد خلافة عباس (تشكيل القيادة الفلسطينية بعد عباس) بما يضمن أداء السلطة لأدوارها الوظيفية في خدمة الاحتلال دون أن تكون بصمات تل أبيب مكشوفة أمام الرأي العام الفلسطيني الحانق على السلطة وأدائها وتنسيقها الأمني مع الاحتلال.

ويرى الخبير العسكري رون بن يشاي، في مقال بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن القضايا الاقتصادية والجنائية تحتل مركز الصدارة خلال الأيام الأخيرة، لكن الجهد الإستراتيجي الذي تقوم به حركة حماس لبناء نفسها  كعامل سياسي مهيمن في الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية وفي الشتات الفلسطيني، تمثل تطورات مهمة ولافتة، ورغم أن حماس ليس لديها حاليا موطئ قدم في منظمة التحرير التي تجمع كل الفصائل القديمة، لكن الضعف الذي تمر به السلطة وقواتها الأمنية يزيد قوة مواقع حماس بالضفة الغربية، ويتسبب في زيادة الهجمات الشعبية ضد إسرائيل والمستوطنين".

«إسرائيل» ــ وفقا لـ" بن يشاي" ــ تراقب ذلك وسط تقديراتها بأن معركة القيادة في السلطة الفلسطينية ستتحول إلى فوضى عنيفة بين المتنافسين الفلسطينيين، وقد يمتد ذلك إلى موجة عمليات مسلحة ضد إسرائيل، وتعطل حياة المستوطنين اليهود، وسيحبط أخيرًا أي فرصة للتوصل لتسوية سياسية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني" حسب مزاعمه لأن إسرائيل قد أحبطت بالفعل أي أمل في تسوية سياسية.

ويضيف "بن يشاي" أن "الأوساط الأمنية الإسرائيلية تقدر أن هناك سيناريوهات أقل سوءًا لما سيحدث في اليوم التالي لأبي مازن، لكن كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، بمساعدة جهاز الشاباك والاستخبارات العسكرية، توصلوا إلى أن سيناريو الكابوس المذكور أعلاه بات معقولا". ولم يعد سراً أن حكومة الاحتلال تتحضر لليوم التالي لأبي مازن من خلال قناتين: أولاهما تعزيز السلطة الفلسطينية من خلال خطوات مشتركة مع قيادتها لتحسين الوضع الاقتصادي ونوعية الحياة للفلسطينيين، على أمل زيادة الدعم الشعبي لأبي مازن وحكومته، وكبح العناصر الراديكالية التي ستحاول الاستيلاء على القيادة، والمطالبة بانتقال منظم للسلطة من قادة فتح فقط، وتعمل إسرائيل على تسخير بايدن والحكومات الأوروبية لهذا الجهد، سعياً لترسيخ أقدام محمود عباس كزعيم وحيد للشعب الفلسطيني، من خلال ترؤسه للمنظمة والسلطة وفتح.

وقد بات واضحا أن حكومة الاحتلال وأوساطها الأمنية تفكر بمجموعة قيادية فلسطينية يتشارك أعضاؤها دون صعوبة في الأدوار التي يشغلها أبو مازن حاليًا، كل هذا لفترة انتقالية، تحضيرا للسباق على المواقع العليا، رغم أن دعم إسرائيل الصريح لأي منهم سيحولهم إلى "مجذومين" سياسيين في الشارع الفلسطيني، رغم أن الحكومة الإسرائيلية لا تخفي ارتياحها من ثمار التنسيق الأمني القائم في الضفة الغربية مع السلطة الفلسطينية. في الوقت ذاته، ورغم التعيينات الأخيرة التي شهدها المجلس المركزي الفلسطيني تحضيرا لخلافة أبي مازن، فإن المحافل الأمنية الإسرائيلية تقدر أن الصراع على الوراثة لم ينته بعد، فلا تزال الفوضى الفلسطينية قائمة، لأن عددا من قادة فتح الخاسرين من هذه التعيينات مستعدون لفعل أي شيء خدمة لمصالحهم الذاتية، حيث ما زالوا يملكون مجموعات مسلحة.

وفي أواخر يناير 2021م، تقدير موقف أعده جاكي خوجي المستشرق الإسرائيلي ونشر في صحيفة "معاريف" قد أقر بتزايد الانشغال الإسرائيلي بتطورات الساحة الفلسطينية الداخلية، خاصة على صعيد وراثة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مع تقدم عمره، وتضاعف المشاكل الصحية التي يعانيها، وبروز جملة من الأسماء المرشحة لخلافته، وظهور العامل الإسرائيلي كمرجح لأي منهم في سباق الرئاسة المحتمل قريبا.

وخص خوجي بالذكر حسين الشيخ، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ووزير الشؤون المدنية، الذي رشحته الحركة مؤخرا لعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير خلفا لصائب عريقات، وقد سبق له أن زار في الفترة الأخيرة كلا من وزير الحرب الإسرائيلي بيني جانتس، والخارجية يائير لابيد، ما قد يجعل منه وفق التوصيف الإسرائيلي الرئيس الفلسطيني القادم، لأنه يتحرك إلى مركز الصدارة على مرأى ومسمع تل أبيب.

وبحسب خوجي فقد شهد لقاء الشيخ مع لابيد أجواء ودية، عازيا ذلك إلى عمله في وزارة الشؤون المدنية، وكمندوب للسلطة الفلسطينية لإجراء الاتصالات مع تل أبيب في المجال المدني، الأمر الذي منحه خبرة كبيرة وألفة مع القيادة الإسرائيلية، فهو يتحدث العبرية بطلاقة، ولديه معرفة جيدة بالضباط الإسرائيليين من ذوي الرتب العالية، ويعرف تفاصيل الساحة الداخلية في إسرائيل وسياستها في الآونة الأخيرة".

ويكشف المستشرق الإسرائيلي عن الحظوة التي يتمتع بها الشيخ عند رئيس السلطة الذي قربه ودعم تصعيده إلى  الجزء العلوي من القيادة، حتى بات واحدا من اثنين من أهم مساعديه. ومن وجهة النظر الإسرائيلية فإن الشيخ يظهر مواقف سياسية معتدلة، لكنه يكره حركة حماس، ويعتقد أن المفاوضات مع تل أبيب قد تكسب الفلسطينيين أكثر من العنف".

ويحذر خوجي من فشل الرهان الإسرائيلي على حسين الشيخ تحت نظر الولايات المتحدة الأمريكية؛ ويخشى من تكرار فشل واشنطن في تسويق أحمد الجلبي في أعقاب الإطاحة بصدام حسين في العراق، كما فشل الرهان الإسرائيلي على جمال مبارك قبل رحيل والده في 2011م. وتبين لاحقا أن التقديرات الإسرائيلية كانت خطأ؛ لأنها تجاهلت التغييرات الجارية في المجتمع المصري، ما يعطي انطباعا بأن المراهنة على الشيخ في الملف الفلسطيني تشبه مغامرة إسرائيلية أمريكية تصل حد المقامرة!

من جهة ثانية، لا ينكر الإسرائيليون أن الشيخ تحيط به العديد من الشبهات في ملفات عديدة، والجمهور الفلسطيني يعرف جيدا هذه القضايا الحساسة، ومن الصعب لهم استقباله في تصدر قيادة السلطة الفلسطينية، فهو لا يحظى بشعبية بينهم، كونه يحوز نظرة متغطرسة تجاه الشارع الفلسطيني، وهو ما يحصل مع العديد من رموز السلطة الفلسطينية في الآونة الأخيرة، خاصة بعد إعلان عباس عن تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، خشية فوز "حماس" فيها، رغم أنه قدم حججا غير مقنعة للتأجيل.

ويضيف إلى ذلك عاملا ثالثا يجعل من تسويق الشيخ كرئيس مستقبلي للسلطة أمرا عصيا، وهو إدراك المحافل الإسرائيلية في ضوء اختراقها للمنظمة الفلسطينية الرسمية أن الشيخ قريب جدا من عباس، وهو من القلائل الذين يهمسون في أذنه، لكنه في الوقت ذاته يفتقر للكاريزما الشخصية، ولا يتمتع بنموذج الزعيم الشعبي، ولا يحوز على تأييد الرأي العام الفلسطيني. ورغم كل هذا، فقد بات اليوم العنوان رقم واحد لإسرائيل، وقد يكون أكثر قربا من رئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج.

وينتهي خوجي إلى الإقرار بأن الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية منخرطة في لعبة اختيار وريث عباس، سواء كان ذلك     باختيار زعيم واحد أو مجموعة صغيرة من القادة يوزعون السلطات والصلاحيات فيما بينهم. في ظل وجود حماس التي تراقب هذه التطورات وتنتظر اللحظة الكامنة والمناسبة، وتستعد لها، والنتيجة أن هذه الحالة الفلسطينية ستسفر عن وضع من عدم اليقين في تل أبيب، التي تتحضر لتطبيق مخططاتها في اليوم التالي لغياب أبي مازن.