هل بعد هذا الكرب مَخرج؟!

- ‎فيمقالات

لفتتْ حادثةُ الإسماعيلية الأنظار إلى ظواهر وتفسُّخات اجتماعية خطيرة، ودقّت جرس الإنذار إلى الحال التى وصل إليها المصريون، وأن تلك الجريمة البشعة لن تكون الأخيرة ما بقى هذا النظام جاثمًا على أنفاسنا؛ إذ كل ما نطالعه من عنفٍ وغلٍّ وسلبية ناتج عن الحالة السياسية المريرة التى أجَّجتْ الصراع المجتمعى وألَّبت الناس بعضهم على بعض.

منذ متى والقاتل يأتى بالمقتول فيذبحه على مرأى من الناس ويمثل بجثته ثم لا تجد أحدًا يمنعه من ذلك؟ حدث هذا فى حلوان، وفى الصعيد وفى غيرهما قبل أن يحدث فى الإسماعيلية. لِمَ يفعل القاتل هذا؟ ولِمَ يسلك الناس هذا المسلك السلبى؟ جرت هذه المشاهد المؤسفة فى السنوات الأخيرة، بل صارت ظاهرة؛ لتوافر مسبباتها.. ومنها حالة الفقر التى يعيشها المواطنون، والبطالة والغلاء والبلاء وما تجره عليهم من الغضب وضيق النفس والطيش والحقد، وللعجز والقهر اللذين يورِّثان السلبية وحبِّ الذات ويغيِّبان المروءة والرحمة والوفاء.

ذبح القاتل غريمه لظروف مجتمعية واضطراب نفسى أحاط به من كلِّ ناحية: تعاطى مخدرات، أعقبه تعطل عن العمل، وديون كبلته حتى شرع فى النصب على من حوله، بشهادة الشهود، وقد افتقد الناصح الأمين من أهل البر والصلاح الذين يرشدون الناس وينفِّسون كُربهم ويعينونهم وقت الشدة.. فالمتوقع أن يقتل ويذبح ويفسد فى الأرض؛ إذْ لم يعد أمامه شىء يحرص عليه أو يدعوه إلى الاحتمال والصبر.

هذا القاتل صناعة نظام فاشل، فاسد يعيش على إشعال الحروب الأهلية المصغَّرة كمسلسلات إلهاء، وهو الذى قدَّم الأمن السياسى والشخصى لمسئوليه على الأمن الجنائى، ودمَّر الشباب، وروّج للعنف والرذيلة، وأشاع المخدرات وهيأ لتجارها الأجواء الآمنة لمزاولة أنشطتهم، وهو الذى يرعى مهرجانات العرى والخلاعة، ودراما القتل والإسفاف، وهو الذى فرَّغ الساحة السياسية فانفلت الشباب إلى الكبت أو التعاطى، وهو الذى زرع الخوف فى نفوس الناس الذين يتنازلون عن حقوقهم الآن خوفًا من الاقتراب من قسم الشرطة أو المحكمة تجنبًا للزبانية ولانعدام الثقة فى القانون أو القائمين عليه.

والسؤال، كما طرحه علىَّ أحدهم: هل بعد هذا الكرب مخرج؟ نعم بالتأكيد، وقد أظهرت هذه الحادثة وغيرها ما يبشِّر بانفراج الغمة وزوال المحنة، فعلى قدر ما ابتُلى به الناس من عجز وانكسار هناك ردة فعل تكافئ هذا العجز، وحالة من الاستنفار والغضب المجتمعى المصحوب بالوعى تبدد هذا التفسخ الطارئ، وقد تحولت وسائل التواصل الاجتماعى فى الأيام الماضية إلى ساحة لتلاقح الآراء لمنع تكرار هذه الظواهر ومحو تلك السلبية المقيتة التى اتفق الجميع على حُرمتها شرعًا وعُرفًا، وأن فساد الأنظمة وضلالها لا يجب أن تكون مبررًا لأن يتخذها الناس خُلقًا وطبعًا.

وأرى الناس، فى منتدياتهم وملتقياتهم، قد وضعوا أيديهم على موطن الداء، وعلموا أن تلك الظواهر جميعًا إنما هى عرضٌ لمرض، وهذا الورم تجب إزالته، وهو لا يزول من نفسه، بل يحتاج معاول الجميع، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؛ «إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرونه أوشك الله أن يعمهم بعقابه»، والله لا يخيِّب سعى المصلحين. ومما يبشِّر أيضًا أن الوحى حافل بالنصوص التى تخبر بخزى المفسدين مهما علوا وأوتوا من بهرج وقوة؛ (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [يونس: 81، 82].