ظهر الأربعاء الماضي 24 مارس 2021م، اغتيل محمود الورفلي، قائد العمليات في قوات الصاعقة التابعة للجنرال خليفة حفتر، والمعروف بضابط الإعدامات؛ حيث تعرضت سيارته لوابل كثيف من النيران في وضح النهار وسط مدينة بنغازي الليبية؛ الأمر الذي يعني أن الجهة التي اغتالته تتمتع بقدر هائل من الثقة وعدم الخوف من الملاحقة الأمنية، وأنها قامت بعملية الاغتيال وهي على يقين أنهم في مأمن كامل من أي ملاحقة أمنية أو قضائية.
وكان الورفلي زعيم ما يسمى بالتيار السلفي المدخلي أو الجامي، وهو التيار الذي أسسته المخابرات السعودية منذ تسعينات القرن الماضي بهدف السيطرة على تيار الصحوة الإسلامية المقرب من جماعة الإخوان المسلمين، وفتحت الحكومة السعودية كل الأبواب للتيار الجامي المدخلي في الوقت الذي حاصرت فيه رموز تيار الصحوة حتى زجت بجل رموزه في السجون والمعتقلات منذ 2017م حيث تولى محمد بن سلمان ولاية العهد بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للرياض والتي دشنت مرحلة فاصلة في تاريخ السعودية والمنطقة كلها.
ومنذ إطلاق اللواء حفتر ما تسمى بعملية الكرامة سنة 2014م، مدعوما من السعودية والإمارات والنظام العسكري في مصر بهدف إقامة نظام عسكري سلطوي في ليبيا على غرار النظام العسكري في مصر، كان الورفلي هو أحد أهم وأشهر الضباط في مليشيات حفتر، وارتكب جرائم وحشية يندى لها جبين الإنسانية؛ وأعدم المئات من قادة مجلس ثوار بنغازي الذين قاوموا سيطرة حفتر ومليشياته على بنغازي التي كانت تمثل معقل الثورة الليبية.
وكافأ حفتر الورفلي على جرائمه الوحشية ومنحه ترقيات استثنائية كان آخرها سنة 2019م؛
هل يقف حفتر وراء مقتل الورفلي؟
يذهب تحليل لوكالة الأناضول التركية إلى أن حفتر هم من يقف وراء اغتيال الورفلي، ذلك أن حفتر استشعر خطر تصعيد قبائل الشرق الليبي ضد الورفلي، فاستقبل منتصف مارس الجاري"2021" وفداً من أعيان قبيلة العواقير، ووعدهم بأن ميليشياته "ستتدخل لضبط الأمن، وسيتم الضرب بيدٍ من حديد لكل مَن تُسول له نفسه المساس بأمن الوطن والمواطن". واعتُبر هذا التصريح تهديداً مباشراً للورفلي، الذي يبدو أنه خرج عن سيطرة حفتر، وأصبح يتصرف كأنه الآمر الناهي في بنغازي دون الرجوع إليه.
فوضعُ حفتر بعد هزيمته في طرابلس (2019-2020) بات حرجاً على المستويين الداخلي والخارجي، وهو مهدد بالخروج من المشهد السياسي في البلاد إذا لم يحصل على منصب وزير دفاع أو قائد أركان. كما أن المجتمع الدولي يرفع في وجه حفتر عصا العقوبات، إذا ما خرج عن السلطة التنفيذية المؤقتة الجديدة، التي تسلمت مهامها في 16 مارس الجاري.
وجاءت "خرجة" الورفلي الأخيرة المتهورة والمنشورة بالصوت والصورة (اقتحام وكالة السيارات)، لتضع حفتر مجدداً في دائرة الاتهام وتُحمله مسؤولية تردي الوضع الأمني في بنغازي، وهو الذي برر إطلاقه "عملية الكرامة" في 2014 بمحاولة وقف عمليات الاغتيال المجهولة في المدينة. كما أن وقوع الورفلي في يد المحكمة الجنائية الدولية قد يؤدي إلى كشف حقائق عديدة لا يرغب حفتر في إطلاع الرأي العام الدولي عليها، خاصة ما يتعلق بالاختطافات والاغتيالات والمقابر الجماعية منذ 2014م.
ويرى أستاذ القانون الدولي سامي الأطرش أن حفتر وقيادة الرجمة هم المسئولون عن تصفية الورفلي؛ "لأنهم يريدون تصفية كل من له علاقة بماضيها المتعلق بأوامرها في الإعدامات والتصفية والتعذيب، حيث يعتبر الورفلي أحد أدواتها في هذه العمليات الإجرامية". وتنقل "الجزيرة نت" عن الأطرش قوله إن "الورفلي صرح في أكثر من مرة متوعدا إذا تم اعتقاله وتسليمه للجنائية الدولية بأن يكشف جميع المعلومات والأوامر، التي كان يكلف بها من قيادة حفتر لقتل الخصوم". واعتبر الأطرش أن المستفيدين من قتل الورفلي كثر، من بينهم حفتر، الذي بدأ منذ فترة في تنظيف الساحة أمامه؛ لتلميع "صورته المشوهة" أمام الليبيين والمجتمع الدولي "الذين ضاقوا بأفعاله الإجرامية". وتوقع الأطرش أن يكون سبب قتل الورفلي قبليا، خاصة بعد ارتفاع الصوت في المنطقة الشرقية بضرورة إبعاد الذين يرهبون المواطنين، ويرتكبون جرائم بحق المدنيين، ويعتدون على مؤسسات الدولة العامة وممتلكات المواطنين الخاصة.
مصير مليشيات الورفلي
وحول مصير مليشيات الورفلي، وهي عناصر تنتمي إلى ما تسمى بالسلفية المدخلية، تنقل الجزيرة نت عن مصدر مسئول رفيع سابق قوله: «الآن إما أن تهرب عصابات الورفلي، وتترك سلاحها، وإما أن تدخل في حرب مكشوفة، وتعود الاغتيالات إلى بنغازي؛ لأن الجرائم المرتكبة منذ 2012 لها شهود، وبعض المسؤولين متورطون في هذه العمليات». وأشار المصدر إلى أن ملف الورفلي سيغلق نهائيا وستسجل الجريمة ضد مجهول، بناء على أوامر عليا من قيادة الرجمة(حفتر)، التي ستتهم أي شخص يحاول تحريك القضية بالعمالة والخيانة، كما حدث في جرائم مشابهة، وفق قوله.
وبعيدا عن هذه النقطة، فإن نشأة التيار الجامي المدخلي في مرحلة التسعينات ما جاءت إلا في أحضان الأجهزة الأمنية التي تبنتها بذرة ورعتها وسقتها، وأغدق حكام السعودية على الجامي والمدخلي ومن شايعهما بالمنح والمزايا والعطايا، وفتحت لهم أبواب الجامعات والمدارس والمساجد والأموال الطائلة ودفعت بهم إلى صدارة المشهد الديني حتى باتوا لسان السلطة ومبرري سياستها وجرائمها بإضفاء مشروعية دينية مزيفة على مواقفها عبر تأويلات متعسفة للنصوص ولي أعناقها كي تجعل منها ستارا لحماية الظلم والطغيان الذي تمارسه الأنظمة، رغم أن الإسلام هو الدين الأعظم الذي شن حربا شعواء على الظلم والطغيان وجعل أعلى مراتب الشهادة كلمة حق عند سلطان جائر.
وراحت المخابرات السعودية تُصدٍّر هذه البدعة الضالة وغرزت بذرتها الخبيثة في معظم البلاد العربية والإسلامية، والتي تلقفتها أجهزة المخابرات والأمن بالرعاية والاهتمام وفتحت لهم كل الأبواب وجعلت منهم سندا لها ومحاميا دينيا يأتي بالقراءات والتفسيرات المتعسفة والشاذة من أجل دعم مواقف النظم وتبرير مواقفها المنحرفة وصبغها بمشروعية دينية كاذبة.