في وقت يتعالى فيه الهجوم والحملات المناوئة التي تسهدف الإسلاميين لإقصائهم من الحياة السياسية، ولأول مرة منذ خمس سنوات، اكتسح الطلبة الإسلاميون انتخابات الجامعة التونسية، وتقدموا باكتساح على التيار اليساري الذي ظل يسيطر على مقاعد المجلس العلمية بالجامعة. وأفرزت نتائج انتخابات ممثلي الطلبة في المجالس العلمية بالجامعات التونسية، التي جرت يوم 4 مارس الجاري عن اكتساح "الاتحاد العام التونسي للطلبة" ذي المرجعية الإسلامية، التابعة لحزب النهضة، مقاعد معهد الفنون الجميلة بعدما كان يسيطر عليها طلبة "الاتحاد العام لطلبة تونس" اليساري. واستأثر اتحاد الطلبة الإسلاميين بـ49.10% من المقاعد في المجالس العلمية مقابل 28.67% للاتحاد العام لطلبة تونس اليساري، و22.23% للمستقلين، حسبما أعلنت وزارة التعليم العالي.
وتعكس النتائج تراجع مكانة اليسار في الجامعة التونسية، وتخلق تغييرا على مستوى الفكر المهيمن في الوسط الطلاّبي التونسي بعد أن سادت كلمة اليسار وطلبة حزب النظام السابق لعقود. وانتخابات المجالس العلمية بالجامعات التونسية مخصصة لاختيار ممثلي الطلبة لصفة استشارية في المجالس العلمية المتكونة من رؤساء الجامعات، الكتاب العامين، الأستاذة والطلبة.
وتنافس في هذه الانتخابات الاتحاد العام لطلبة تونس وهو منظمة طلابيّة يسارية فازت 5 أعوام متتالية في الانتخابات، والاتحاد العام التونسي للطلبة ذراع الحركة الإسلامية بالجامعة، ومرشحون مستقلون.
وتأسس الاتحاد العام التونسي للطلبة (إسلامي) سنة 1985م في ساحات كلية العلوم بتونس العاصمة، وانتشر فيما بعد في مختلف الجامعات التونسية تحت شعار "وحدة، نضال، استقلالية"، ويقود هذا التنظيم طلبة إسلاميين بمساعدة طلبة مستقلين، لكن الاعتراف القانوني بهذا الاتحاد جاء بعد 3 سنوات من مؤتمره التأسيسي.
وقد شهدت سنوات أواخر الثمانينات وبداية التسعينات سيطرة مطلقة للاتحاد الإسلامي، قبل سيطرة يسارية، ثم عاد الإسلاميون في الانتخابات الأخيرة للسيطرة. وحارب نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الاتحاد العام التونسي للطلبة الإسلامي وسعي لتشويهه، حتى إنه اتهمه عام 1991م بامتلاك السلاح، والدفاع عن مواقف حركة النهضة في الجامعة، وتم حل الاتحاد يوم 8 يوليو 1991م، ومحاكمة طلاب وقمع وسجن وقتل العشرات منهم.
ولعب طلاب الحركة الإسلامية في الجامعة دورًا في ثورة 2011 بتونس، وبعد انتصار الثورة عمل الطلبة الإسلاميون على إحياء اتحادهم، وتجديد نشاطهم في الجامعة، فعاد التنظيم تحت نفس المسمى، وانتشر في مختلف الجامعات التونسية وحظي بتشجيع من قياديي حركة النهضة الإسلامية.
وأصبح الاتحاد العام التونسي للطلبة ينافس اتحاد اليساريين بقوة، وفاز بأغلبية المجالس العلمية في ست مناسبات منذ سنة 2012م، خاصة خلال الأربع سنوات الأخيرة على التوالي، حتى فاز عليه هذا العام.
ووصف الباحث والأكاديمي لطفي النجار، المتخصص في شؤون الحركات الطلابية لـ"بوابة تونس"، انتصار الطلبة الإسلاميين بأنه "انتصار واسع جاء معززا بملامح تحول في مواقع النفوذ، بعد تمكنهم من اقتلاع الفوز في عدد من الجامعات التي كانت تعتبر طوال عقود معاقل تاريخية لليسار". وفسر النجار تساقط القلاع التاريخية لاتحاد طلبة تونس والقوى اليسارية في الانتخابات بالانقسامات التي تواجهها القوى اليسارية، خلال السنوات الماضية في تونس وتشتت صفوفها، خاصة بعد انفراط عقد الجبهة الشعبية سياسيا وانتخابيا.
وشهدت التيارات اليسارية والقومية الطلابية في السنوات الماضية صراعات وانقسامات بين هيئتين تتنازعان الشرعية، ونجح الطلبة الإسلاميون في استغلال هذا الضعف لتعزيز وجودهم.
وقال الباحث لطفي النجار: إن الطلبة الإسلاميين بلغوا ذروة قوتهم أواخر الثمانينيات، وبداية التسعينيات قبل أن يقوم النظام الديكتاتوري بضرب الحركة الإسلامية، مشيرا إلى أنه عشية حل الاتحاد العام التونسي للطلبة عام 1991م كان مكتسحا كل الكليات والمعاهد إلى حد الانتصار في كلية الحقوق التي تعتبر قلعة يسارية متجذرة لم ينجح في اختراقها حتى الحزب الحاكم زمن ابن علي.
ويعتبر الاكتساح الذي حققه ممثلو التيار الإسلامي في الجامعة مؤشرا على تحولات كبيرة في موازين القوى بالساحة الجامعية في تونس، حسب المراقبين والمتابعين للشأن الطلابي، وإعادة تشكل خارطة للتمثيل الطلابي بعد سنوات هيمن خلالها اليسار على الساحة الجامعية، خاصة خلال السنوات الأولى التي أعقبت الثورة في تونس. كما تعبر النتائج عن مدى شعبية التيار الإسلامي الذي يجري طمس إنجازاته ووجوده الشعبي والمؤسساتي في البلاد، بفعل إعلام الثورة المضادة وإعلام الإمارات وقنوات الغد والعربية الإماراتية الذين يستهدفون تشويه الإسلاميين مجتمعيا وسياسيا وإعلاميا بتونس، كما جرى في مصر تمهيدا للانقلاب العسكري، في 2013 حيث جرى شيطنة كل الإسلاميين كجزء من مخططات الانقلاب.
