بعد إغلاق الطاغية عبدالفتاح السيسي رئيس الانقلاب، ملف التحقيقات بقضية اغتيال الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، فاجأت إيطاليا القاهرة، ببيان للنائب العام الايطالي، ميكيل بريستبينو جاريتا"، حيث أعلن أنه تم "الاشتباه في دور قام به 4 من مسؤولي الأمن المصريين في خطف ريجيني، وواحد من الأربعة ربما كان له دور أيضا في قتله". وأسماء الأربعة المتهمين هم "طارق صابر" و"آسر كمال" و"حسام حلمي" و"مجدي شريف".
وأوضح أنه تم إسقاط التهمة عن الضابط "محمود نجم"، المتهم الخامس في القضية؛ لعدم كفاية الأدلة. وأمهل "جاريتا" المتهمين الأربعة 20 يوما للرد على الاتهامات الموجهة لهم. وأكد أن قضية قتل "ريجيني" ستحال للمحاكمة الجنائية الغيابية مطلع 2021.
ويعد التحرك الايطالي الجديد، الذي تاخر أكثر من 4 أعوام، اختبارا صعبا لنظام الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال الدموي عبد الفتاح السيسي، والذي سيجد نفسه مضطرا لتقديم سلسلة كبيرة من التنازلات السياسية والاقتصادية لإيطاليا، لمحاولة التهرب من المسئولية التي ستطال مقربين من نجله محمود السيسي. وهو ما قد تكشف عنه التحقيقات أو المثول أمام القضاء الإيطالي.
وسبق أن قدم السيسي العديد من الترضيات للحكومة الإيطالية كشراء صفقات ضخمة من الأسلحة، وترسية عطاءات ومناقصات بترولية وغاز على شركات إيطالية ، من أجل إسكات الإيطاليين عن دماء الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي تصر أسرته على الكشف عن الحقيقة، وتتهم السيسي ونظامه بقتله "كما لو كان مصريا" بحسب تصريحات والدته.
وعثر على جثة "ريجيني" في فبراير 2016 على الطريق السريع بمدينة أكتوبر قرب مقر الأمن الوطني بمدينة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة، وعليه آثار تعذيب بشكل بشع؛ لدرجة أن والدته لم تستطع التعرف على جثته إلا بتحديد طرف أنفه.
وزعمت نيابة الانقلاب أنها توصلت إلى "أدلة ثابتة" على ارتكاب أفراد تشكيل عصابي واقعة سرقة متعلقات "ريجيني" بالإكراه، حيث عثر على تلك المتعلقات بمسكن أحد أفراد التشكيل، معتبرة أن مرتكب واقعة قتل الباحث الإيطالي لا يزال مجهولا. ولفتت إلى أنها ستغلق ملف التحقيقات في القضية مؤقتا مع تكليف جهات البحث والتحري بموالاة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للوصول إلى مرتكب الجريمة. لكن هذا البيان لم يقنع جهات التحقيق ووسائل الإعلام في إيطاليا، التي تتهم الأمن المصري بالتورط في الجريمة.
وخلقت قضية "ريجيني" صداعا للحكومة الإيطالية، التي تقيم علاقات تجارية قوية مع مصر على شكل عقود تنقيب عن الغاز ومبيعات فرقاطات عسكرية. إذ تواجه ضغوطا داخلية شديدة تدفعها لعدم التسامح مع مرتكبي الجريمة. فيما يتصاعد النقد، على الساحة الدولية، لسجل النظام المصري الحقوقي، بالتزامن مع حملة اعتقالات طالت عددا من ناشطي حقوق الإنسان، وخسارة حليفه في البيت الأبيض "دونالد ترامب".
وتكرر حكومة السيسي سياسات التصفية الجسدية لآلاف المصريين منذ الانقلاب العسكري، دون مساءلة أو محاسبة للضباط المتورطين في هذه الجرائم. وسبق أن أكد السيسي في أحد لقاءاته بعسكريين أن الضابط أحمد لو ضرب أحدا بالرصاص أو قتله، فلن يحاسب؛ وهي التعهدات التي أطلقت عنان الضباط بالجيش والشرطة لقتل المصريين خارج إطار القانون دون خوف من عقاب.
وعلى كل حال، فإن انكشاف عورات السيسي أمام دول الغرب وحكوماته سواء في ملفات المعتقلين أو ريجيني أو غيره من المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، قد تطيح بكثير من القيادات الأمنية قريبا وتضع السيسي أمام حصار من النظم الغربية، خاصة مع صعود الحزب الديمقراطي على حساب الجمهوريين واليمين المتطرف الذي يبدي دعما أكبر للنظم العربية المستبدة.