يبدو أن إثيوبيا تقف على أعتاب حرب أهلية ستكون عواقبها بالغة التأثير على مستقبل البلاد التي يزيد عدد سكانها عن مائة مليون نسمة كما ستكون لهذه التطورات تأثيرات ليست ضعيفة على مستقبل أزمة سد النهضة الذي تقيمه أديس أبابا على النيل الأزرق الذي يمثل أهم روافد مجرى النيل إلى مصر. وهو السد الذي يهدد الأمن القومي المصري حيث يواجه ملايين المصريين الجوع والعطش إذا قررت أديس أبابا حجز المياه دون تنسيق مع مصر وفي سنوات قد تفضي إلى مجاعة مصرية.
وبحسب وكالة رويترز، فقد أعلن الجيش الإثيوبي صباح الأربعاء عن بدء هجوم على جبهة تحرير تجراي في الإقليم الذي يقع شمالي إثيوبيا، وذلك بموجب أمر من رئيس الوزراء آبي أحمد. ونقلت وكالة رويترز عن متحدثة باسم الجيش أن العمليات العسكرية بدأت بالفعل.
وتتشكل الخريطة العرقية في إثيوبيا من قومية الأورومو وتمثل 34.4% من السكان لكنهم يعانون من الاضطهاد والتهميش من جانب الحكومة؛ لأن غالبيتهم يدينون بالإسلام. هناك أيضا قومية الأمهرية وتمثل 27% من السكان وتعتبر لغتهم هي اللغة الرسمية في البلاد، ويتمتعون بنفوذ واسع في الائتلاف الحكومي. وهناك أيضا القومية الصومالية وتمثل 6.2% من السكان. ثم القومية التيجرية وتمثل 6.1% من السكان، وكان لهم نفوذ كبير وواسع في التحالف الحكومي قبل مجيء آبي أحمد للحكم سنة 2018م لكنهم الآن يتخذون مواقف مناوئة للحكومة. وهناك أيضا قومية السيداما وتمثل 4% من السكان. وأخيرا قومية الجوراج وتمثل 2.5% من السكان.
وكان آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي قد أصدر بيانا قال فيه إن الجبهة حاولت الليلة الماضية الاستحواذ على معسكر القيادة الشمالية، التي يقع مقرها في مقلي عاصمة الإقليم، وذلك في محاولة منها للاستيلاء على أسلحة ثقيلة. وأضاف أن حكومته حاولت تجنب الحرب، لكنه أكد أن ذلك لا يمكن أن يتم من طرف واحد، مشيرا في نفس البيان إلى فرض حالة الطوارىء في تجراي لمدة ستة أشهر. وتابع أن هجوم الجبهة على مقر القيادة الشمالية تجاوز النقطة الأخيرة من الخط الأحمر، معتبرا أن استخدام القوة هو البديل الأخير.
ودعا رئيس الوزراء الشعب الإثيوبي إلى متابعة الوضع بهدوء، ومراقبة المواجهات المحلية المحتملة، والوقوف إلى جانب الجيش الوطني. وبحسب وكالة أسوشيتد برس فإن الاتصالات قطعت في إقليم تجراي، مشيرة إلى مخاوف من أن يؤدي هجوم الجيش الإثيوبي إلى حرب جديدة في البلاد التي تشهد توترات عرقية.
أمام هذه المعطيات الجديدة فإن حكومة آبي أحمد تفقد كثيرا من الدعم الشعبي بعد أن دخلت في صدام مع التجراي بعد الصدام مع طائفة "الأورومو" الذي يمثلون أكبر طائفة في إثيوبيا ومعظمهم من المسلمين.
وكانت جبهة تحرير جبهة تحرير تجراي أحد مكونات الائتلاف الحاكم، الذي كان قائما قبل وصول آبي أحمد إلى السلطة في 2018، ولاحقا عبّرت الجبهة عن مواقف منتقدة للحكومة الحالية. حيث عارضت قرار تأجيل الانتخابات العامة التي كانت مقررة في أغسطس 2020م. وفي سبتمبر نظمت انتخابات على الرغم من رفض السلطات الاتحادية لها. وكانت وكالة أسوشيتد برس نقلت الأحد الماضي عن مسئول في الجبهة أنهم لن يدخلوا في مفاوضات مع حكومة آبي أحمد ما لم تفرج عن عدد من السجناء. وفي وقت سابق، حذر مسئولون من تجراي من أن تدخل الحكومة في الإقليم سيكون بمثابة إعلان حرب. من جهة أخرى، أعرب رئيس الاتحاد الأفريقي، أمس، عن قلقه من تصاعد أعمال العنف العرقية في إثيوبيا عقب مقتل 34 شخصا، الأحد، في هجم بمنطقة أوروميا.
وفي سبتمبر الماضي، وجهت السلطات الإثيوبية اتهامات بارتكاب جرائم من بينها "الإرهاب" و"التحريض على العنف" للمعارضين البارزين جوهر محمد وبيكيلي غيربا، في خطوة أسهمت في تأجيج التوتر في منطقة أورومو المضطربة. وتتعلق الاتهامات التي يمكن أن تؤدي إلى السجن مدى الحياة، بالعنف الذي اندلع بعد مقتل المغني الشعبي هاشالو هونديسا الذي ينحدر من إثنية الأورومو، والذي عكس صوته شعور أبناء أكبر إثنيات البلاد بالتهميش السياسي والاقتصادي. وفي أعقاب مقتل هاشالو في 29 يونيو 2020، لقي ما يصل إلى 239 شخصا مصرعهم في أعمال عنف عرقية واشتباكات مع قوات الأمن سلطت الضوء على التحديات الأمنية التي تواجه رئيس الوزراء آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام العام الماضي. وكان جوهر وبيكيلي من بين أكثر من 9 آلاف شخص أوقفوا في اعتقالات جماعية لاحقة أثارت انتقادات بأن آبي يستغل الاضطرابات لإسكات معارضيه السياسيين.
