إيمانويل ماكرون في لقطات هي أبعد ما يكون عن ضيف في لبنان، بل يتداخل فيها بشكل سمح له بها المارون وعلى رأسها، لقطته مع المغنية اللبنانية فيروز كشفت عمق الدعم الذي يقدمه مسيحيو لبنان لإلغاء اتفاق الطائف بادعاء أنه يعطل تنفيذ المطلوب، فيفرض ماركون حكومة ورئيسها وخطط عملها بدلا من أن يجد حلا لبلاده وأصحاب السترات الصفراء ليسوا ببعيد عن مشهد اليوم وتلك المقارنة.
وجذب المحلل الفلسطيني د. إبراهيم حمامي تعليقا على تصريح ماكرون في مؤتمر صحفي اليوم بلبنان: لا أتساهل مع الطبقة السياسية في لبنان، وأريد معرفة الأرقام الحقيقية بشأن النظام المصرفي اللبناني!.
فقال "الحمامي": "من يكون ماكرون ليتساهل ويري؟ هل يوجد سياسي لبناني واحد يمتلك الجرأة والرد عليه؟ أين أبو "المقاومة والممانعة" مما يقوله ماكرون؟ أي إذلال ومهانة تلك؟".
وعلى سبيل العتاب كتب القومي محمد سيف الدولة عن لقاء ماركون بفيروز ولماذا قبلت؟، "هناك شخصيات فنية وادبية تحتل مكانة خاصة لدى شعوبها، فيرسمون لها صورة ملائكية شبه مقدسة، ويعتبرونها إحدى الرموز أو الكنوز القومية لبلادهم، ولا يتخيلون أن يصدر منها اى خطأ او حتى هفوة صغيرة.. ولا شك أن فيروز لها مثل هذه المنزلة والمكانة لدى كل العرب.. وصورة لقائها مع ماكرون، الممثل الأعلى للاستعمار الفرنسى، أزعجت كثيرين منا فى الوطن العربى، حتى لو كان مجرد لقاء بروتوكوليا أو دبلوماسيا.".
وأضاف "فمثل هذا النوع من الخواجات فى غالبية الأحوال، تكون نواياهم سيئة. فلقد أراد ماكرون أن يرسل رسالة أنه واحد منا، ولكنه بالطبع أبعد ما يكون عن ذلك".
وجه المقارنة
وعن وجه المقارنة الصحيح فهو ما يفعله أنصار محور الثورة المضادة في الإعلام الموالي من هجوم واسع المدى على أردوغان في وقت يغيب مثل ذلك الهجوم على فرنسا ودورها المكشوف وأوراقها المحروقة في بيروت، بحسب مراقبين.
الصحفي التركي حمزة تكين أدرك تلك النقطة وقال "ماذا لو فعل أردوغان وتركيا ما يفعله ماكرون وفرنسا الآن في لبنان؟.. ألم نكن سنسمع أصواتا تحذر من "الاستعمار التركي" و"العثمانية الجديدة".. أين هذه الأصوات مما يفعله ماكرون وفرنسا الآن على الأراضي اللبنانية؟.. لماذا خرست هذه الأصوات؟.. تركيا لم تتعامل مع لبنان باحترام.. على عكس فرنسا".
ماذا قال أردوغان
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان واعيا لهذا المسالة فكشف الغطاء عن الاستعمار الجديد وقال متحدثا عن اليونان التي وجههتا فرنسا فكان حديث الرئيس بحسب مراقبين موجها لباريس في صورة اليونان، فقال "إن محاولات الدفع بدولة لا تنفع نفسها لمواجهة قوة إقليمية ودولية مثل تركيا باتت أمرا مضحكا".
وفي كلمة ألقاها خلال مشاركته بحفل افتتاح العام القضائي الجديد بالمجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، أضاف أردوغان في هذا الخصوص: "إن محاولة الاستيلاء على كامل ثروات المتوسط، التي هي حق لكل بلد يطل عليه، مثال للاستعمار الحديث".
وأضاف أن محاولات الدفع بدولة لا تنفع نفسها (في إشارة إلى اليونان) لمواجهة قوة إقليمية ودولية مثل تركيا، باتت أمرا مضحكا.
وتابع: "التصريحات الدبلوماسية والسياسية الخداعة لم تعد كافية للتغطية على ظلم الدول التي تظن نفسها عظيمة وقوية ولا تُهزم".
وأكد الرئيس التركي أن فعاليات بلاده في شرق المتوسط وبحر إيجة، تستند إلى مبدأ البحث عن الحق والعدالة. وأردف: "نوجد في سوريا وليبيا وأماكن أخرى، وفي كل هذه المواقع نسعى لتحقيق العدالة والحق، والدولة التي احتمت عبر تاريخها بالآخرين، تُرمى اليوم أمامنا لتحقيق غايات دول أخرى".
وأضاف أردوغان أن عهد أولئك الذين لم يتركوا مكانا في العالم إلا واستعمروه واضطهدوه وظلموا شعوبه، قد شارف على الزوال.
وعلق إبراهيم قراغول الكاتب التركي قائلا إنّ تركيا تكسر الحصار المفروض على حدودها الجنوبية لتهدم تلك الجدران الواحد تلو الآخر وتقاوم وبشدة جميع مخططات الغرب لحصارها من شرق المتوسط وبحر إيجة حتى ولو وقف الغرب كله ضدها. فها لا تقود هجمات دفاعية وحسب، بل وتهاجم وتصيح في وجه الجميع بأنّ معها القوة وليس معها الحق فقط.
إنّ هذا الموقف التركي يعطينا إشارات في غاية القوة قادرة على تغيير النظام الدولي رغم المساومات التي يخوضها بعض التيارات داخل تركيا من أجل الخنوع والخضوع.
إنّ العبارات التي استخدمها الرئيس أردوغان خلال خطاباته خلال الشهر الماضي فحسب والسياسات المتوافقة مع هذه العبارات تزلزل الأرض من تحت أقدام القوى الاستعمارية والإمبريالية والنظم التي أقاموها مذ مئات السنين. وختم قائلا إنهم يقيمون الجبهات لإيقاف هذا التقدم الذي تحرزه تركيا وزعيمها، كما يقيمون التحالفات والشراكات، لكنهم يفشلون في كل مساعيهم لبث الرعب في قلب تركيا.
الرؤية اللبنانية
قال عماد الحوت، رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان إن تسمية الرئيس المكلّف –رئيس الحكومة الجديد- جاءت بضغط فرنسي مباشر ولم تأتِ بمبادرة محلية من الفرقاء اللبنانيين، موضحاً أنّ ظروف التكليف لا تبشّر بأنّ هناك رغبة حقيقية بتشكيل حكومة منتجة تقوم بإصلاحات جدية، وأبدى تخوّفه من أن تكون حكومة تمرير وقت فقط.
وعن الموقف الفرنسي من لبنان، شدد الحوت على أن "لبنان بالنسبة لفرنسا هو آخر موطئ قدم تستطيع أن تؤثر فيه في الشرق الأوسط، ولذلك فهي تحرص أن تظهر بموقع المؤثر فيه". وكشف أن فرنسا تمارس هذا الدور في ظل الغياب الأمريكي المؤقت نتيجة الإنشغال بملفات أخرى، وفي حال عاد الأمريكي إلى الساحة اللبنانية فإنّه سيأخذ زمام المبادرة على حساب المسار الفرنسي.
ورأى الحوت أنّ المشكلة الأساسية اليوم أنّ الدور الفرنسي يأتي ليعوّم الطبقة السياسية المسؤولة عن عدم تطبي دستور الطائف، وممارسة أو تغطية الهدر والفساد، وتقديم الارتباط الخارجي، من جديد ويدخل لبنان في متاهة سوء الإدارة التي عانى منه على فترة من الزمن.